القمص يوحنا نصيف
تلقّيتُ هذا الأسبوع بفرحٍ وامتنانٍ كبير، هديّة ثمينة، وهي عبارة عن نسخة من كتاب "سِيَر البيعة المقدّسة"؛ دراسة وتحقيق الأخ والصديق المحبوب الأستاذ شريف رمزي، الذي تعب في إعداد هذا الكتاب النفيس للنشر، بجُهدٍ وسهرٍ لمدّة تجاوزَت أربع سنوات.
الكتاب كما نعرف، يحوي سَيَر الآباء بطاركة الكنيسة القبطيّة الأُرثوذكسيّة، بدايةً من القدّيس مارمرقس في القرن الأوّل، حتّى البابا كيرلّس الثاني البطريرك السابع والستّين، في نهاية القرن الحادي عشر.
يتزيّن الكتاب بتصدير جميل ومُعَبِّر، من قداسة أبينا المُحِبّ والمحبوب البابا تواضروس الثاني، الذي يُشجِّع البحوث والنشر وكلّ عمل تنويري بنّاء، بروحه الأبويّة الطيّبة.
ثمّ يأتي بعد تصدير قداسة البابا، تقديمٌ لنيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس أسقف المنيا، الذي أضاف بكلماته الغنيّة والثمينة عن الكتاب جوهرةً جديدةً، تُضاف إلى كنوز كتاباته البديعة!
وبعد ذلك، تأتي مُقدِّماتٌ لثلاثة من أعظم علماء الكنيسة في جيلنا الحالي؛ وهم الأستاذ الدكتور أشرف إسكندر صادق، والأستاذ الدكتور جوزيف موريس فلتس، والأستاذ الدكتور صموئيل قزمان معوّض.. فشكرًا لهؤلاء العمالقة على اهتمامهم بمساندة وتقدير هذا العمل البحثي الجبّار، وعلى كلماتهم الثريّة التي تكشف عن قيمة الكتاب من الناحية العِلميّة.
أمّا الأستاذ شريف رمزي، الذي بذل جهدًا خارقًا لكي يَظهر هذا العمل الهامّ للنور، فقد أثبتَ أنّه شخصٌ عاشقٌ لكنيسته القبطيّة الأُرثوذكسيّة، مُفَكِّرٌ ومُدَقِّقٌ لغوي صبورٌ، أمينٌ في عمله بدرجة امتياز، متمَكِّنٌ من أدوات بحثه، مؤمنٌ برسالته التنويريّة، وله نظرة مستقبليّة جميلة؛ إذ كان يعرِف كمْ أنّ هذا الكتاب سيكون مرجِعًا هامًّا لكثيرٍ من الباحثين والدارسين لتاريخ الكنيسة القبطيّة في الحاضر والمستقبل، ولذلك اعتنى بوضع ملاحق وفهارس متعدّدة، مع آلاف الهوامش ومئات المراجع، وبذل جهدًا هائلاً في وضع جداول زمنيّة فريدة لربط الأحداث والتواريخ.. الربّ قادرٌ أن يعوّضه عن كلّ أتعابه بالبركات الأرضيّة والمكافآت السمائيّة!
وقد لاحظتُ أيضًا أنّ سعرَ الكتاب منخفض بشكل واضح عن أيّ كتاب آخَر في حجمه، فهو يقارب التسعمائة صفحة، بغلاف فخم، وتجليد فاخر، بينما سعره أقلّ من أربعمائة جنيه! فشكرًا جزيلاً لكلّ مَن ساهم في صدور مثل هذا العمل الضخم بهذا السعر.
أخيرًا، أشتاقُ أن يكون هذا الكتاب الكنز، موجودًا في كلّ المكتبات الاستعاريّة بالكنائس والأديرة، وأيضًا في أيدي كلّ الإكليروس.. وربّما أحلمُ بأن تَصدُر له في وقت قريب -وقد قاربت طبعته الأولى على النفاذ- طبعة ثانية مُدَعّمة بسعر مُخَفَّض جدًّا.. وتتولّى الكنيسة مُمَثّلةً في الكليّة الإكليريكيّة مثلاً أو معهد الدراسات القبطيّة، طبعَهُ ونَشرَهُ في كلّ مكان.
يسعدني أن أختم مقالي، بمقتطفات من المقدّمات التي كُتِبَت عن هذا العمل الثمين:
+ قداسة البابا تواضروس الثاني:
[في القرن الحادي عشر الميلادي، وضع الله في قلب أرخُن فاضل في مدينة الإسكندريّة، وهو الشمّاس موهوب بن منصور بن مُفَرِّج الإسكندراني، أن يهتمّ بجمع وترجمة سِيَر البيعة المقدّسة، أي سِيَر البطارِكة الأقباط، حتّى زمنه. فقام بجمع هذه السِيَر المُقَدَّسة وحَفِظَها؛ إلى أن جاء الابن المبارك الأستاذ شريف رمزي في القرن الواحد والعشرين الميلادي، وقام بتحقيق دقيق لهذه السِّيَر، عبر سنوات من الدراسة والبحث والتأصيل، ليَضَع بين يديك -عزيزي القارئ- هذه التحفة الدراسيّة الموسوعيّة، التي تُهِمّ كلّ دارس وباحث في بطون التاريخ].
+ نيافة الأنبا مكاريوس:
[يسرُّني أن أُقَدِّم لهذا الكتاب النفيس، والذي يُعَدّ عملاً تاريخيًّا هامًّا.. إنّ هذا العمل العظيم الذي قام به "الشمّاس موهوب بن منصور بن مُفَرِّج الإسكندراني" في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، يستحقّ الشُّكر والتقدير، فقد كُتِبَ النصّ باللغة القبطيّة واشترك في كتابته أكثر من كاتب في أوقاتٍ متعدِّدة، وكان لكلّ كاتب فِكرُهُ ورؤيته، ثمّ تعدّدَت النُسَخ المنقولة، وبالطبع لم يخلُ الأمر من بعض تغييرات، حتّى قام "الشمّاس موهوب" مع آخَرين بجمع النُّسَخ المُتاحة، واستخلاص النصّ منها جميعًا، وترجمتها إلى العَرَبيّة. ولكن حتّى هذا العمل الكبير جرى تناقُله بين أيدي نُسّاخ آخَرين، ولم ينجُ أيضًا من إضافات وتغييرات، بل أنّ نِسبتَهُ لم تكُن لمؤلِّفِهِ الحقيقيّ (موهوب بن منصور). ومن هنا دعَت الضرورة إلى قيام "موهوب جديد" يسير على نفس الدرب، وهو "الشمّاس شريف رمزي"، والذي أخذَ على عاتقه أن يَسبَح بين مئات الكُتُب والمخطوطات دون كللٍ أو مللٍ، مدفوعًا بحبّه للمسيح وكنيسته، وللحقِّ ليُظهِرَه، فجاء هذا العمل الكبير والمُشَرِّف في هذه الصورة البهيّة].
+ الدكتور أشرف صادق:
[يُمَثِّل كتاب "سِيَر البيعة المقدّسة" مصدرًا لا غِنى عنه لأيّ باحث أو دارس لتاريخ كنيسة الإسكندريّة، وتاريخ مصر بوجه عام.. يقدّم لنا الباحِث المُدَقِّق الأستاذ شريف رمزي عضو لجنة التاريخ القبطي، نصَّ "سِيَر البيعة" مُحَقَّقًا ومُدَقَّقًا، تتصدّره مقدّمة دراسيّة وافية تَشرح بدِقّة تاريخ العمل، وتُميطُ اللثامَ عن أدوار مؤلّفيه.. لقد التزم الباحث بكلّ ما تعلّمناه من طرُق البحث العلمي، واتّبَعَ نهجًا أكاديميًّا دقيقًا ومُحايِدًا، وبذل جهدًا مُخلِصًا في دراسة المخطوطات والمصادر القديمة والمراجع الحديثة باللغات المختلِفة.. أشكُر الأستاذ شريف رمزي.. وأشهد له بالدِّقّة والأمانة وسِعة الاطّلاع، والثقافة المتجذِّرة في صميم شخصيّته].
+ الدكتور جوزيف فلتس:
[نصّ "سيَر البيعة المقدّسة".. ليس مجرّد نصّ يؤرّخ لكنيسة الإسكندريّة.. بل إنّه يُمَثِّل "خِزانة معرفة" لواقع عاشته الكنيسة على مدى الأجيال.. لقد بذل الأستاذ شريف رمزي جهدًا فائقًا في سبيل فتح هذه الخِزانة، ليُقَدِّم لنا نصًّا مُحَقَّقًا بطريقة أكاديميّة، وباحترافٍ شديد.. لم يكتفِ الأستاذ شريف بهذا الإنجاز، بل عمِلَ على ترتيب أرفف هذه الخِزانة بطريقة ممتازة، فقام بتقسيم النصّ إلى فقراتٍ مُرَقَّمة، وزيّنه بالتشكيل وعلامات الترقيم، وذيّله بفهارس متنوّعة.. الأمر الذي جعل الاستفادة من هذا النصّ الثري متعةً لم يختبرها إلاّ مَن عرفوا كيف يُنطِقون التاريخ]
+ الدكتور صموئيل معوّض:
[كتاب "سِيَر البيعة المقدّسة" المعروف باسم "تاريخ البطاركة" هو بلا منازع أهمّ مصدر يؤرِّخ للكنيسة القبطيّة.. اليوم يأتي واحدٌ من أحفاد موهوب الإسكندراني.. لا يقل عنه اجتهادًا ومثابرة وشجاعة، ليقتفي آثار جدّه الموهوب، فيبحث ويُفَتِّش ويُقارِن ويُعَلِّق ويُحَلِّل ويَنقُد ويتساءل ويُنَظِّر، بل ويؤرِّخ.. ويُدَقِّق الأحداث والشخوص والأماكِن، متَّخِذًا لنفسِهِ منهجًا واضحًا للتحقيق، ليَقطَع بمفردِهِ أميالاً عجز عنها غيرُهُ ضَعْفًا أو استثقالاً أو حيرةً أو يأسًا، ثمّ يأخُذ على عاتقه وضع الفهارس الدقيقة التي لا غِنى عنها لكلّ دارس وقارئ لهذا المصدر الدَّسِم، المُتخَم بالتفاصيل والدقائق. أهنّئ الباحث المُدَقِّق والدارس المجتهِد والمُحَقِّق المُثابِر الأستاذ شريف رمزي على هذا العمل الضخم، الذي تابعتُ مراحل تكوينه حتّى صار إلى ما صار عليه من اكتمال].
القمص يوحنا نصيف