د. ممدوح حليم
من القصص المؤثرة التي جاءت في الكتاب المقدس ، والتي تظهر شرف المصريين و شجاعة كثيرين منهم، تلك القصة التي جاءت في مطلع سفر الخروج ، والتي تحكي أحوال بني إسرائيل بعد رحيل يوسف وتولي حكم مصر فرعون آخر غليظ ، تعامل مع بني إسرائيل بصورة قاسية. يشرح الكتاب المقدس هذا الأمر فيقول:   "٦ ومات يوسف وكل إخوته وجميع ذلك الجيل. ٧ وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرا جدا، وامتلأت الأرض منهم. ٨ ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف. ٩ فقال لشعبه: «هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا. ١٠ هلم نحتال لهم لئلا ينموا، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض». ١١ فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم، فبنوا لفرعون مدينتي مخازن: فيثوم، ورعمسيس. ١٢ ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا. فاختشوا من بني إسرائيل. ١٣ فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف، ١٤ ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل. كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفا" (الخروج ١: ٦-١٤).  

لقد تكاثر بني إسرائيل كثيرا، فما كان من فرعون المجرم هذا أن أصدر أمراً للقابلتين أي المولدتين المصريتين اللتين توليتا توليد النساء العبرانيات بقتل المولود الذكر مع عدم المساس بالمولودة الانثى. في هذا الشأن قال الكتاب:

١٥ وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرة واسم الأخرى فوعة، ١٦ وقال: «حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكراسي، إن كان ابنا فاقتلاه، وإن كان بنتا فتحيا». ١٧ ولكن القابلتين خافتا الله ولم تفعلا كما كلمهما ملك مصر، بل استحيتا الأولاد. ١٨ فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما: «لماذا فعلتما هذا الأمر واستحييتما الأولاد؟» ١٩ فقالت القابلتان لفرعون: «إن النساء العبرانيات لسن كالمصريات، فإنهن قويات يلدن قبل أن تأتيهن القابلة». (الخروج ١: ١٥-١٩)

تحية عاطرة من القلب لهاتين المولدتين المصريتين اللتين رفضتا الانصياع لطلب فرعون الذي يطلق عليه هنا لقب ملك مصر ، الأمر الذي كان من شأنه أن يعرضهما للخطر ولبطش فرعون، كانتا تخافان الله، مما جعلهما تنأيان بأنفسهما عن هذا العمل الإجرامي البشع وهو قتل مولود.      

ويلاحظ هنا أنهما كانتا تعرفان الله وتخافانه، الأمر الذي يؤكد أن بعض المصريين عرفوا الله الواحد وآمنوا به ربما كان أحد روافد ذلك تواجد بني إسرائيل في وسطهم فتأثروا بهم . لقد كافأ الله هاتين الامرأتين على الأقل لحسهما الإنساني ولشجاعتهما ولخوفهما إياه كما يتضح من النص الكتابي في آخر خروج ١. لقد ذكر الكتاب اسمهما تخليدا لذكراهما وتشجيعا للناس على الحذو حذوهما في الشجاعة والإنسانية ومخافة الله. أما فرعون هذا فلم يحفظ لنا الكتاب اسمه لحقارته.