سمير مرقص
(1) «مواطنو الشبكة ومقاطعهم الإبداعية»
نواصل حديثنا عن المقاطع المصورة أو «الكليباتــ الريلات reels»؛ التى يقوم بصنعها مليارات من مواطنى الزمن الرقمى حول العالم عبر تقنيات التواصل الرقمى المختلفة. تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن إبداعات المقاطع الرقمية وأثرها الفاعل فى تشكيل الرأى العام من جهة، وفى جعل ما كان يطلق عليه المجال الافتراضى مجالا ماديا مواكبا لفعاليات الحياة اليومية المتعددة. فى هذا الإطار، قدمنا الأسبوع الماضى نموذجا لمقطع ذى طابع إبداعى ثقافى يحمل رسالة/رسائل ثقافية عميقة. أما اليوم فنتناول تلك المقاطع، المليارية، ذات الطابع «الكاريكاتورى» التى يزخر بها المجال الرقمى وتعكس ردود أفعال هؤلاء المواطنين ــ النقدية والساخرة فى الأغلب ــ حيال ما يتعرضون له فى المجال العام من: أفكار وظواهر ومواقف وأحداث فى شتى المجالات. حيث يتفنن المواطنون الرقميون Digital Citizens؛ أو «مواطنو الشبكة» Netizens؛ فى ابتكار مقاطع رقمية تتراوح بين: أولا: اللقطة المصورة الثابتة المزودة بتعليق مكتوب أو صوتى أو أكثر، أو تيمة موسيقية، وبين ثانيا: اللقطات المتتابعة المتحركة التى يتم تركيبها من أعمال إبداعية سابقة، أو شرائط وثائقية، أو لقطات إخبارية، أو خلفيات صوتية متنوعة أو من كل ما سبق معا، وبين ثالثا: ظهور شخصيات حية فى المقطع تقدم لقطة درامية يستعين أصحابها بملابس تعبر عن الموقف، كذلك استخدام إكسسوارات وعمل ماكياج واختيار موقع للتصوير تناسب الرسالة/ الرسائل «البرقية» التى يريدون إرسالها عبر المشهد. وتؤكد لنا المشاهدة المستمرة لهكذا مقاطع أن هناك كثيرين ممن صادفهم النجاح فى تقديم المقاطع الرقمية الكاريكاتورية قد شجعهم هذا النجاح فى تقديم مقاطعهم الرقمية فى صورة حلقات متتابعة. ومن ثم تستحق أن نطلق على هذه المقاطع «الديجيتال كاريكاتور».. لماذا؟.

(2) «التطور الطبيعى للكاريكاتور»
أذكر أنه قبل ثلاثين سنة طرح الناقد الكبير الدكتور على الراعى (1920 ــ 1999) مقالا عنوانه: فن الكاريكاتور.. هل يتراجع فى بلادنا؟، وكانت إجابته «فن الكاريكاتور، أحد الفنون التى تنتمى إلى الكوميديا، بأشكالها المختلفة: الهجائية، والانتقادية، وكوميديا الكباريه السياسى، وكوميديا النقد الاجتماعى». وإذا كان يتعرض للحصار إلا أنه استطاع، حسب الراعى، أن «يكسب ميادين جديدة» وذلك من خلال تأليف كتب تقوم على فن الكاريكاتور مثلما فعل الكاريكاتوريون العظام: بهجت، وحجازى، ومحيى الدين اللباد، ومصطفى حسين، وغيرهم. إذ قام بعضهم بجمع أعمالهم فى كتب على طريقة الدوريات والكتب المسماة «الكوميكس» أو القصص المصورة كما فعل حجازى وبهجت. وقيام بهجت بتأليف كتب تنطلق من فن الكاريكاتور حول حقوق الطفل. وتأليف كتب تتضمن ملاحظات بصرية نقدية عن أحوالنا كما فعل محيى الدين اللباد فى مجلدات «نظر». كذلك تحويل الشخصيات الكاريكاتورية إلى شخصيات درامية مثلما جرى مع شخصيات مصطفى حسين وأحمد رجب فى مسلسل ناس وناس. ومع مرور الوقت، اجتاح فن الكاريكاتور ميادين فنية أخرى مسرحية وسينمائية من خلال تقديم أعمال تتضمن شخصيات ووقائع ذات طابع كاريكاتورى من حيث رسم الشخصيات، وسكريبت الحوار والعلاقات، واختيار الملابس. وفى هذا السياق، أتصور أن مسلسلى «نيللى وشريهان» و«الوصية»؛ هكذا شاهدتهما، قد تم صنعهما بطريقة «الكوميكس» أى الصور المتتالية، ولكن على شريط مرئى متحرك. المسلسلان كانا أقرب إلى المغامرات التى كانت تقدم فى دوريات «الكوميكس» بل إن بعض الشخصيات كانت تضاهى شخصيات شهيرة فى مغامرات الكوميكس مثل: شخصية محمود الجندى فى مسلسل نيللى وشريهان الذى كان أقرب لشخصية عم دهب الشهيرة فى مجلة ميكى. ونشير أيضا إلى ملابس الفنان الكبير جدا أحمد أمين فى دور «سمسم»، وحواراته الكوميدية العبثية والمركبة فى آن واحد مع «إبو»، الفنان المتميز أكرم حسنى الذى كان لوقت ممتد يقدم شخصية «أبو حفيظة» الكاريكاتورية. ولا أنسى أن أذكر بما قاله «الراعى» عن العمل الخالد «الليلة الكبيرة» لصلاح جاهين والشيخ سيد مكاوى، اللذين نجحا فى تجسيد الرسوم إلى شخصيات وموسيقى شعبية حية. إذن، لم يتوقف فن الكاريكاتور يوما. وها هو وجد ضالته فى «المقاطع الرقمية» للتجلى.

(3) «التنكيت والتبكيت»
الخلاصة، إن جوهر الكاريكاتور هو التوقف عند كل ما يندرج تحت عنوان «ديفوهات» المجتمع وإبرازها ونقدها والبحث عن أسبابها والحث على تغيير الواقع. الكاريكاتور بمعناه الواسع هو محصلة «التنكيت والتبكيت» حسب أحد أهم مثقفينا الكبار الشعبيين/ العضويين «عبد الله النديم» (1842 ــ 1896) فى دوريته التى حملت نفس الاسم. كما أن روح الدعابة إحدى السمات المميزة للمصريين فإن «الكاريكاتورية» كانت حاضرة وستكون حاضرة فى كل الأوقات، وهذا ما تؤكده «الديجيتال كاريكاتور» التى تكتسب حضورا وتزداد تأثيرا كل يوم.
نقلا عن المصرى اليوم