فاطمة ناعوت
حين تسمع تعبير «مدارس الفرنسيسكان»، تُدرك فورًا أنك على موعد مع ثلاث قِيم شديدة الأهمية: (2)- «التفوق العلمى الأكاديمى» الذى ُيغذيه للتلاميذ معلمّون أكفاء، (3)- «الموهبة الفنية» التى يكتشفها الآباءُ المعلمون فى أطفالنا ثم يقومون برعايتها، وأما رقم (1)- فهو: «الانضباط الأخلاقى» والتحضّر والالتزام والتوعية بالحقوق والواجبات، بالإضافة إلى الذوق الرفيع والإتيكيت الذى يبدو جليًّا ناصعًا فى جميع خريجى تلك المدارس الراقية التى أخرجت لنا رموزًا خالدة فى السياسة مثل: مصطفى كامل، إسماعيل صدقى، مصطفى فهمى باشا، عدلى يكن... وفى الفن مثل: نجيب الريحانى، فريد الأطرش، أنور وجدى، رشدى أباظة، حسين السيد، وغيرهم.
هكذا آلى على أنفسهم الآباءُ الفرنسيسكان منذ تأسيسهم الرهبنة الكاثوليكية فى مصر مع بدايات القرن الثالث عشر أن يكون «التعليم الرفيع المتكامل» جزءًا من مشروعهم الوطنى النهضوى فى مصر، إلى جوار مساعدة الفقراء والمرضى والأيتام، والعمل على تنمية المجتمع والاهتمام بالبيئة، اقتداءً بالمؤسس الأول «القديس فرنسيس الأسيزى» الذى تخلّى عن ثراء عائلته ليحيا فقيرًا ناذرًا حياتَه لإصلاح المجتمع والارتقاء به. ولا شك أن الاهتمام بالفنون من أهم عوامل الارتقاء بالنفس البشرية، والنجاة من الأدران التى قد تصيب الإنسان. لهذا يقول الفيلسوف الإغريقى «أفلاطون» فى القرن الرابع قبل الميلاد: «علّموا أولادكم الفنون، ثم أغلقوا السجون»، لأن الفنَّ يسمو بالنفس فتغدو عصيةً على السقوط فى الجريمة. والآباء الفرنسيسكان بشكل عام مشهورون بملَكات الفن الرفيع، ورعايته إيمانًا منهم بالآية الإنجيلية: «لا تُهمل الموهبةَ التى فيك». فلا شكَّ أن الله لم يترك إنسانًا إلا ومنحه موهبةً ما. فالمواهبُ هى الهدايا الربانية المؤمّنة لنا منذ ميلادنا. بعضُنا يكتشفها، فيصير لامعًا فى مجال ما، والبعضُ يهملها فتخفُت وتندثر. هنا يبرز دورُ الأسرة المثقفة على جانب، والمدارس الراقية على الجانب الآخر، فى اكتشاف مواهب الصغار ورعايتها. لأن «الموهبةَ» إن صاحبتِ «التفوقَ العلمى»، وظللتهما «الأخلاقُ»، اكتمل مثلثُ التحضر، واستحق الإنسانُ: «وسام الكمال» الإنسانى. فالكمالُ المطلقُ لله.
شهدنا الأسبوعَ الماضى حفلَ ختام الموسم الثانى لمسابقة Franciscan›s Got Talent التى تنظمّها «الرهبنةُ الفرنسيسكانية» بمصر من خلال «لجنة مدارس الفرنسيسكان» بالتعاون مع «المركز الكاثوليكى المصرى للسينما»، للمرحلتين الابتدائية والإعدادية. شارك فى المسابقة أكثر من ٣٠٠ طالب يمثلون ١٢ مدرسة على مستوى الجمهورية، رُصدت مواهبهم، وتمت رعايتها وصقلها، حتى وصول ٧٥ طالبةً وطالبًا لمرحلة التصفيات النهائية، فى مجالات فنية متنوعة كالموسيقى والغناء والشعر والإلقاء والتمثيل والرسم. وتشكّلت لجنة تحكيم هذا العام، برئاسة الأب «بطرس دانيال» الفنان والبيانيست المبدع، وعضوية باقة من مبدعى الفنون المختلفة: المخرج «رضا شوقى»، الفنانة «شيرين»، الفنانة «لقاء الخميسى»، والفنان التشكيلى د. «فريد فاضل»
وأقيمت المسابقة برعاية الأب «مراد مجلّع»، والأب «مُخلص مصرى»، والأب «بطرس دانيال» مدير «مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما» أعرق مهرجان سينمائى بمنطقة الشرق الأوسط قاطبةً. وحضر الحفل مديرو المدارس الفرنسيسكانية فى الإسكندرية، والفيوم، ومدن القناة، وأسيوط، والأقصر، ونجع حمادى، وجنوب الصعيد. كما حضر بعض المعلمين مُنسقى المناطق والمشرفين على تدريب الطلاب الموهوبين حتى يصلوا إلى هذا المستوى الرفيع الذى شهدناه فى الحفل الجميل، فخطفوا أبصارنا بما قدموه من عروض فنية راقية. وبالطبع لم يغِب عن الحفل «الجنودُ المجهولون» الذين دعموا تلك المواهبَ، على الجانب الآخر من النهر، بعيدًا عن قاعات المدرسة، وهم الأمهات والآباء وأولياء الأمور المتحضرون الذين آمنوا بمواهب أبنائهم فدعموها، لإيمانهم بأن التفوق الدراسى إلى جوار الموهبة هما الساقان اللذان عليهما ينهض النشءُ الصغير، ومن قبلهما الخُلق القويم والصلاح النفسى. وهنا أقدم التحية للمعلمة الفاضلة «تريز وتيد» بمدرسة «فرير الخرنفش»، إذ أخبرتنى بعزمها عمل كورسات تعليم فنون «الكتابة الأدبية» للصغار، لعلّ يخرج من بينهم «طه حسين»، و«مى زيادة» جديدان. مبروك لجميع الموهوبين الفائزين. وشكر خاص للجنة التحكيم والآباء الفرنسيسكان الذين قدموا جائزة خاصة للطالبة الفلسطينية «سُدن أحمد» التى أبهرتنا بشدوها أغنية «أعطونا الطفولة»، التى غنيناها فى طفولتنا مع الطفلة «ريمى بندلى»، فأبكت قلوبنا. والشكر موصول للعظماء الذين يقدّمون لنا جيلا صالحًا ينهضُ بالوطن ويزيّن غده المشرق.
نقلا عن المصرى اليوم