محرر الأقباط متحدون
خلال مشاركته في لقاء عُقد يوم أمس الأربعاء في مقر مجلس الشيوخ الإيطالي تحت عنوان "محادثات من أجل السلام" علق أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين على القمة بشأن أوكرانيا التي استضافتها سويسرا قائلا: "إن المؤتمرين أكدوا أنهم ليسوا في حالة حرب مع روسيا، لكنهم موجودون من أجل البحث عن سبيل للسلام بين روسيا وأوكرانيا". فيما يتعلق بالاتجار بالأسلحة اعتبر نيافته أن المصالح الاقتصادية الكبيرة تصمّ الآذان أمام نداءات البابا فرنسيس.
عبر المسؤول الفاتيكاني عن ارتياحه حيال القمة الدولية التي عُقدت في سويسرا الأسبوع الماضي بشأن أوكرانيا، وكان نيافته قد مثّل الكرسي الرسولي الذي دُعي إلى المشاركة بصفة مراقب. ولفت إلى أنها كانت مفيدة لكنها محدودة النتائج نظرا لعدم مشاركة روسيا فيها، موضحا أن السلام يمكن أن نصنعه معاً. وعبر عن ارتياحه حيال مداخلات قادة الدول والحكومات الذين أكدوا أنهم ليسوا في حالة حرب مع روسيا وأنهم يريدون إيجاد سبل لتحقيق السلام بين موسكو وكييف. وذكّر الكاردينال بارولين في هذا السياق بأن السلام لا بد أن يكون عادلاً ويرتكز إلى مبادئ القانون الدولي والانضمام الوثيق إلى شرعة الأمم المتحدة. وقال: إن لم نسعى إلى أن نكون أخوة في هذا العالم لن نتخطى أبداً الصراعات والخلافات القائمة.
بعدها تطرق نيافته إلى مشكلة كبيرة نواجهها اليوم ألا وهي غياب الثقة المتبادلة ما يحدّ كثيراً من دور المنظمات الدولية. كما أن انعدام الثقافة يساهم في نمو ترسانات الأسلحة التقليدية وأيضا تلك النووية، إذ يشعر كل طرف بضرورة حماية نفسه من الآخرين، في ظل غياب الثقة والقدرة على نسج علاقات ترتكز إلى السلام والاحترام. وأشار بارولين في هذا السياق إلى المصالح الاقتصادية الكبيرة على المحك فيما يتعلق بالاتجار بالأسلحة، لذا يبدو أن الحكومات والأحزاب السياسية تسعى إلى صمّ آذانها أمام نداءات البابا فرنسيس الذي يطالب بوقف انتشار الأسلحة، لكن دعواته هذه لا تقود إلى نتيجة عندما تُحرك معاييرُ السوق الجماعات والحكومات. وعلى الرغم من ذلك يبقى البابا شجاعاً ويستمر في الإصرار على موقفه هذا، على أمل أن يحقق الغاية عاجلا أم آجلا.
لم تخلُ كلمات المسؤول الفاتيكاني من التطرق إلى النقاش الدائر في الأوساط السياسية الإيطالية بشأن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا ورأى أن الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة تكمن في التفاوض بدون أي شروط مسبقة، من أجل وقف إرسال الأسلحة لكن لا بد أن تُتخذ خطوة قبل ذلك ألا وهي إطلاق مفاوضات بين الجانبين، الأوكراني والروسي، حتى لو لم تكن المفاوضات علنية. وعاد ليشدد على أن السلام يمكن أن يصنعه الجانبان معاً وإذا غاب أحدهما لا يمكن أن يتحقق.
تابع الدبلوماسي الفاتيكاني مداخلته في مجلس الشيوخ موجها نداءً إلى المسيحيين وحاثاً إياهم على العمل من أجل قضية السلام في عالمنا هذا المطبوع بالحروب والصراعات المسلحة. وقال إن سماوات العديد من الدول تلبدت بغيوم الحرب القاتمة التي تمنع الشعوب من العيش بتناغم، مشيرا إلى أن عالمنا المعاصر يشهد حفر الخنادق وسط تصلب المواقف الأيديولوجية، واعتبر أن ثمة حاجة إلى توعية الأشخاص المفترض أن يسهروا على العدالة والسياسة كي يعملوا بانسجام، مستوحين نشاطهم من الإنجيل ومن المبادئ الخلقية.
وأكد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان في مداخلته أنه لا بد من الانطلاق من المدرسة من أجل تنشئة الشبان على ثقافة الاشتمال وعدم الاستسلام لمنطق الإقصاء والأحكام المسبقة والصور النمطية التي تغذّي العداوات. وأضاف أن مصيرنا ليس الموت إنما الحياة، ليس الحقد إنما الأخوة، ليس الصراع إنما التناغم. وتمنى الكاردينال بارولين أن يكون السلام بمثابة النجم الذي ينير ويقود مصائر الأرض كلها، وأن تلقي أيدينا السلاح الذي يسيء إلى الله وإلى الكرامة البشرية.
هذا ثم تطرق أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان إلى زيارته المرتقبة للبنان نهاية الشهر الجاري، والتي كشفت عنها وسائل إعلام لبنانية. وأوضح أنها لن تكون زيارة دبلوماسية ولا مهمة من أجل السلام في الأرض المقدسة، في ضوء التطورات الأمنية في المنطقة. وقال بارولين إنه تلقى دعوة منذ فترة طويلة من قبل منظمة فرسان مالطا في لبنان ليزور البلاد ويطلع على نشاطاتها التي لديها تأثير اجتماعي كبير في ظل الأزمة الراهنة، مشيرا في هذا السياق إلى أن البلاد تعاني من أزمة على مختلف الأصعدة وستسعى دبلوماسية الكرسي الرسولي، كما تفعل دائماً، للإسهام في التوصل إلى حل مؤسساتي.
في أعقاب اللقاء في مجلس الشيوخ قام نيافته بدردشة مع الصحفيين، تطرق خلالها مجددا إلى الوضع في لبنان والمنطقة ولم يخفِ قلق الكرسي الرسولي حيال إمكانية اتساع رقعة النزاع الدائر في الشرق الأوسط، لاسيما في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم ضد لبنان. وأوضح الكاردينال بارولين أن زيارته لبلاد الأرز كانت مرتقبة وليست مرتبطة بالوضع السياسي الراهن لكن ستحمل أيضا بعداً دبلوماسيا. وعبر في الختام عن أمله بأن تنبت بذور السلام وتأتي بالثمار المرجوة.