محرر الأقباط متحدون
"لا يجب أن نفوِّت فرصة التفكير والعمل بطريقة جديدة، بالعقل والقلب والأيدي، لكي نوجّه الابتكار نحو نظام يتمحور حول أولوية الكرامة البشريّة. ابتكار يعزز التنمية والرفاهية والتعايش السلمي ويحمي الفئات الأكثر فقرًا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته للمشاركين في المؤتمر الدولي لمؤسسة Centesimus Annus Pro Pontifice
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في المؤتمر الدولي لمؤسسة Centesimus Annus Pro Pontifice تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي والنموذج التكنوقراطي: كيفية تعزيز رفاهية البشرية والعناية بالطبيعة وعالم ينعم بالسلام" وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال كما تعلمون، لقد ناقشت التطور التكنولوجي في الرسالة العامة "كن مسبّحًا" وفي الإرشاد الرسولي "Laudate Deum"، وتحدثت عن الذكاء الاصطناعي في رسالة اليوم العالمي للسلام لهذا العام، وقبل بضعة أيام، في مداخلتي أمام مجموعة السبع. إنني أقدر أن مؤسسة Centesimus Annus قد أعطت فسحة واسعة لهذا الموضوع، من خلال إشراك علماء وخبراء من مختلف البلدان والتخصصات، وتحليل الفرص والمخاطر المرتبطة بتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال نهج مستعرض ولاسيما بنظرة مركزية بشرية، ومع الأخذ في عين الاعتبار لخطورة تعزيز النموذج التكنوقراطي.
تابع البابا فرنسيس يقول لقد تحدثت في رسالة اليوم العالمي للسلام عن الخوارزميات، للإشارة إلى الضرورة المطلقة لتطوير أخلاقي للخوارزميات، تكون فيه القيم هي التي ترشد مسارات التقنيات الجديدة. وفي خطابي أمام مجموعة السبع، سلطت الضوء على الجوانب الحاسمة للذكاء الاصطناعي، وشددت على أنه ويجب أن يبقى أداة في يد الإنسان. ومثل الأدوات الرئيسية الأخرى على مدى آلاف السنين، تشهد هذه الأداة أيضًا على قدرة الإنسان على تخطي نفسه، ويمكنها أن تحدث تحولات كبيرة، إيجابية أو سلبية. وبهذا المعنى الثاني، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز النموذج التكنوقراطي وثقافة الإقصاء، والتفاوت بين الدول المتقدمة والنامية، وتفويض الآلات لاتخاذ القرارات الضرورية لحياة البشر. ولذلك أكدتُ على الضرورة المطلقة لتطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه الأخلاقي، ودعوت السياسة إلى تبني إجراءات ملموسة للتحكم في العملية التكنولوجية الجارية في اتجاه الأخوَّة العالميّة والسلام.
أضاف الأب الأقدس يقول وفي هذا السياق، يساهم مؤتمركم في زيادة القدرة على فهم الجوانب الإيجابية للذكاء الاصطناعي وفهم المخاطر والتخفيف منها والسيطرة عليها، والتواصل مع عالم العلوم لكي نحدد معًا الحدود التي يجب وضعها على الابتكار إذا كان سيضر بالبشريّة. والسؤال الأساسي الذي طرحتموه على أنفسكم هو: ما الهدف من الذكاء الاصطناعي؟ هل يعمل على تلبية احتياجات البشرية، وتحسين الرفاهية والتنمية المتكاملة للأشخاص، أم أنه يعمل على إثراء وزيادة القوة العالية لعدد قليل من عمالقة التكنولوجيا على الرغم من المخاطر التي تهدد البشرية؟ تعتمد الإجابة على العديد من العوامل وهناك جوانب مختلفة يجب استكشافها. وأود أن أذكر بعضًا منها، كحافز لمزيد من التعمُّق من قبلكم.
تابع الحبر الأعظم يقول يجب التعمّق في الموضوع الحساس والاستراتيجي لمسؤوليّة القرارات المتخذة باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر؛ هذا الجانب يسائل مختلف فروع الفلسفة والقانون، بالإضافة إلى تخصصات أكثر تحديدا. يجب تحديد الحوافز المناسبة وتنظيم فعال، من ناحية لتحفيز الابتكار الأخلاقي المفيد لتقدم البشرية، ومن ناحية أخرى لمنع أو الحد من التأثيرات غير المرغوب فيها. يجب على عالم التربية والتنشئة والاتصالات بأكمله أن يبدأ عملية منسقة لزيادة المعرفة والوعي بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح ولنقل القدرة الحاسمة تجاه مثل هذه الأدوات إلى الأجيال الجديدة، منذ الطفولة.
أضاف الأب الأقدس يقول كذلك يجب تقييم تأثيرات الذكاء الاصطناعي على عالم العمل. وبالتالي أدعو أعضاء مؤسسة Centesimus Annus وجميع الذين يشاركون في مبادراتها لكي يكونوا جزءًا فاعلاً، كل في مجاله، للحث على عملية إعادة تأهيل مهني واعتماد نماذج تهدف إلى تسهيل نقل الأشخاص الزائدين عن الحاجة إلى نشاطات أخرى. يجب دراسة التأثيرات الإيجابية والسلبية للذكاء الاصطناعي على الأمن والخصوصية بعناية. كما يجب أن تؤخذ التأثيرات على قدرات الأشخاص العلائقية والمعرفية وعلى سلوكياتهم في عين الاعتبار وأن يتمَّ التعمُّق بها. إذ لا يمكننا أن نقبل أن يتم تقليص هذه القدرات أو تقييدها بأداة تكنولوجية، أي من قبل من يمتلكها ويستخدمها. وأخيرا، علينا أن نتذكر الاستهلاك الهائل للطاقة الضروريّة لتطوير الذكاء الاصطناعي، في حين تواجه البشرية تحولًا دقيقًا في مجال الطاقة.
تابع الحبر الأعظم يقول أيها الأصدقاء الأعزاء، إن مستقبل الاقتصاد والحضارة والبشريّة هو على جبهة الابتكار التكنولوجي. ولذلك لا يجب أن نفوِّت فرصة التفكير والعمل بطريقة جديدة، بالعقل والقلب والأيدي، لكي نوجّه الابتكار نحو نظام يتمحور حول أولوية الكرامة البشريّة. ابتكار يعزز التنمية والرفاهية والتعايش السلمي ويحمي الفئات الأكثر فقرًا. وهذا الأمر يتطلب بيئة تنظيمية واقتصادية ومالية تحد من القدرة الاحتكارية لدى القلة وتسمح للتنمية بأن تعود بالنفع على البشرية جمعاء. ولهذا السبب، آمل أن تستمر مؤسسة Centesimus Annus في التعامل مع هذه القضية. كما أهنئ إطلاق البحث المشترك الثاني بين المؤسسة والتحالف الاستراتيجي لجامعات الأبحاث الكاثوليكية حول موضوع "الذكاء الاصطناعي والعناية بالبيت المشترك: تركيز على الأعمال التجارية والتمويل والاتصالات"، بتنسيق من السيدة ترنتولا. من فضلكم، أبقوني على اطلاع!
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول وأختتم كلمتي بسؤال استفزازي: هل نحن متأكدون من أننا نريد الاستمرار في تسمية "ذكاء" ما هو ليس ذكاءً؟ لنفكر في الأمر، ولنسأل أنفسنا ما إذا كان الاستخدام غير السليم لهذه الكلمة المهمّة، والإنسانيّة لا يمثل استسلامًا للسلطة التكنوقراطية. أبارككم وأتمنى لكم كل الخير في نشاطاتكم. واصلوا العمل بشجاعة وخاطروا! وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.