( بقلم : أشرف ونيس )
✍️ ضاقت الأفواه على التفوه كما تأففت الألسنة عن التلاسن ، إذ كيف للكلمات أن تسبح بانسياب تردداتها فى فراغ الأثير ، و قد ضاق الكون فى اتساع على ذرات هوائه !!!

هل هو شموخ للجفاف أم انتكاس للتندي ؟ فلقد اتسعت و تداركت الهوة بين تعايش الكائنات لحياتها و بين حياة الموجودات فى تعايشها ، هى على أرض قد ترفعت عن مياهها احتواءً و عن رطوبتها تأطرًا ، أإلى انقلاب الطبيعة و انفلاتها عن طبيعتها نحن ذاهبون ، أم سوف نتخلى نحن عن أنفاسنا ؟! فلم تبصر وتبتصر الأعين لقطرات التبلل سوى لأبداننا وقتما صدحت و تعالت جزيئات تعرقها حين الشموخ و حين التشامخ كون صيرورته - العَرَقْ - وحيدًا فى ذي الوجود تواجدًا . فلقد خمد الكل ذاته بنفسه و ألقت النفوس حتفها بذاتها و هاهو الكل و قد صار بدائرة العدم سائرين ! أين نسمات النسيم باتت ؟ و أين هواء التنفس صار ؟ فلقد خفتت ومضات مقومات العيش أرضا و أمست حرارة الشمس فى أوج سعيرها هى العالية المستعلية الكائنة أعلى الكل و المتفوقة فوق الجميع !!!

عجبي على كائنات عاقلة و عواقل كائنة ، استراحت بهم الإرادة سَكنًا و راحةً و مرتعًا ، فجنحوا بها فى مهب ريح السوء ، و أخذوا يعبثون بمحيطهم حتى تأفف الأفق و بات كل ماهو تحت مرأى البصر و خارجه أيضا ينفث تهددًا بل نارًا انتشبت ألسنتها مخترقة الأجساد بل كل ذرات الأرض بمختلف المواد و شتى ما يشغل حيزًا من الفراغ ، احتبست الأنفاس خلف قضبان لامرئية حين احتبست ولدان الشمس و بناتها من حر و حرارة و احتراق ، قاسمين ألا يبرحوا الأرض بعد حسن و محاسن استقبالهم من غازات قد صنعها الإنسان بيديه ، فدمرت تلك الأيادي و كل ماهو ملتصق بها من أعضاء حتى أصبح البشر و شركاء تعايشهم أرضًا قابعين قرب الخط الفاصل بين الحياة و اللاحياة ! فهل من منقذ ؟ وهل من وسيلة للخلاص مما يعاينه أحياء الأرض بأم أعينهم و هم يعانون منه أشد المعاناة ؟! ياليت المخلص يوافينا فيأتي إلينا ، سواء من آفاق السماء وجودًا أو حتى من قاع الجحيم تواجدًا ، فهل يلبي نداء صراخنا أم غير ذلك هو ما سوف يكون ؟

لكن ربما كان لمرأى و رأى العلى رسائل قلما فهم الكثيرون مغزاها ، و ربما كانت لبصيرة الخالق و الباري - الله - حكمة ما أقل العقول التى فهمتها أدراكا و ادركتها تفهمـًا ، فما أكثر الأرواح الكامنة بداخل أجسادها المعبرة عنها تعلقًـا بالحاضر ، و ما أبخس و أرخص الأثمان التى شخصت إليها الأعين المتكلمة عن النفوس الملتاعة لما هو مصيره الفناء و عدم البقاء ، و حين تنوعت سبل الوصول إلى المآرب و الأهداف ، متخذة فى ضرب عرض الحائط طريقا للتحقيق و دربـًا للبلوغ ، إذ تكاثر الشر و تكاثرت الذنوب ؛ كانت إحدى لمحات النار الأبدية - جهنم - هى ردعًا لبواطن البشر و أفعالهم المعبرة عنها ، كما درسًا لمن أراد التخلي عن انسانيته فى حنوها و الارتماء بين أحضان و ساحات الوحشية فى نهج توحشها و منهاج استوحاشها . و هكذا كان ل الله أن يستخدم ما اقترفه الانسان من دمار  لتقويمه و توبيخه و تصحيح سلوكه و مساره .

فهل لنا الرجوع إلى أنفسنا قبل رجوعنا إلى الله ؟! أم أن رجوعنا إلى الله هو الرجوع إلينا و لارواحنا ؟ أيا كان صواب المعتقد و صحيح الأسبقية من الطرق و القرارات ؛ فليس لنا سوى الرجوع إلى أنفسنا و الله معا ، حتى العودة إلى طرائق الاستقامة فيما نعمله و نصنعه ، فيستقيم معنا نتائج و نتاج ما نضع به و فيه و عليه أيادينا ، و نعي الحياة كلمة و معنى بل اختبارا و تعايشا ، و هكذا نشعر بتواجدنا و بمن حولنا ، و يشعر بنا حولنا كما أنفسهم سواء بسواء . فهل للحلم عن دون تحقق و تحقيق شيء فى ذلك ، أم أن للواقعية النصيب و القسمة الأكبر على الكل ؟ نستجدي الإفاقة من واقع هو فظ و قاس ، و الصحو على واقع آخر و مغاير لذلك .