نادر نور الدين محمد
منذ حصول ألبرت جور على جائزة نوبل للسلام مع فريق المنظمة الحكومية الدولية لتغيرات المناخ عام 2007 بدأ العالم ينتبه إلى وجود تغير فى مناخ كوكب الأرض وحدوث ارتفاع فى درجات الحرارة بسبب التقدم الصناعى المفرط واستخدام الوقود المستخرج من جوف الأرض خاصة الفحم والبترول وما ينتج عنهما من كميات هائلة من مجموعة من الغازات وعلى رأسها ثانى أكسيد الكربون تراكمت فى طبقات الجو العليا وتعكس جزيئاتها حرارة كوكب الأرض إلى داخلها وتمنع خروجها إلى الفضاء الخارجى بما عرف بالاحتباس الحرارى وارتفاع حرارة كوكب الأرض. وبدأ العالم يهتم بهذا الاحترار وما يصاحبه من ظواهر مثل تكرار نوبات القحط (تراجع كبير فى مياه الأمطار والأنهار والآبار) والأعاصير والسيول المطرية والجفاف والارتفاعات والانخفاضات المفاجئة فى درجات الحرارة ودخول فصل الصيف مبكرا وتقلص فصل الشتاء مع شبه اختفاء للفصول الانتقالية الربيع والخريف وتغير نمط الهطول وتحرك الأمطار شمالا وذوبان جليد القطبين والقمم الثلجية للجبال وارتفاع مستوى مياه المحيطات والبحار واعتبرت جميعها بالظواهر الجانحة أو المتطرفة، ستؤدى جميعا إلى تغير مواعيد الزراعة وزيادة أضرارها. هذه الأمور تعكس أن هناك خللا كبيرا أصاب المناخ،
ففى العام الماضى شهدت مصر أمطارا غير معتادة فى شهر يونيو بينما يشهد هذا العام موجات شديدة الحرارة بدأت من شهر مايو ولم تنحصر طوال شهر يونيو وسجلت درجات حرارة أعلى كثيرا من معدلاتها. ويعتبر القطاع الزراعى هو الأكثر تضررا من هذه التغيرات المناخية حيث يتحكم المناخ فى نوعية المزروعات قبل المياه والتربة بل ويؤثر ارتفاع الحرارة فى فقدان كميات كبيرة من المياه العذبة بالبخر ويجعل النباتات تستهلك كميات أكبر من المياه لكى تعطى نفس المحصول الذى كانت تنتجه من قبل وربما أقل، مع تأثيره أيضا على الترب الزراعية بتبخير المياه منها وتراكم ما تحتويه من أملاح فى التربة بما يضر بالنباتات النامية ويدهور إنتاجية الأراضي. والموجات الحارة قد ترتبط بتغير المناخ وقد تكون أيضا نتيجة لتقلبات المناخ،
ولكنها تؤثر كثيرا على نمو وإنتاج العديد من نباتات الخضر والفاكهة حيث إن لكل نوع مجال حرارة معينا ينمو وينتج خلالها وبتجاوزها يتوقف أو يتدهور الإنتاج. نباتات مثل الفاصوليا الخضراء والطماطم تموت حبوب اللقاح فى درجات الحرارة المرتفعة ولذلك يلاحظ تراجع كبير فى إنتاج الفاصوليا والطماطم مع ارتفاع فى أسعارهما خلال شهرى يوليو وأغسطس وقد تمتد إلى سبتمبر. ويتكرر نفس الأمر فى الشهور الشديدة البرودة مثل يناير وفبراير بسبب شلل وتجمد حبوب اللقاح وبالتالى يتوقف الإنتاج وترتفع الأسعار وتتدهور النوعية. أيضا أن ارتفاع درجات الحرارة مصحوبا بارتفاع نسب الرطوبة الجوية يؤدى إلى انتشار العديد من أمراض النباتات والتى تدمر محصولها مثلما يحدث مع القرعيات من كوسة وخيار وغيرها فيتأثر الإنتاج كثيرا فى الموجات شديدة الحرارة وعالية الرطوبة كما يتأثر بالشلل والتجمد فى الشهور الباردة. أيضا هناك حاصلات كثيرة لا بد لها أن تستكمل ساعات معينة من البرودة لكى تعطى محصولا جيدا مثل القمح وأشجار الخوخ والكمثرى والمشمش والبرقوق والعنب وبعض المحاصيل الشتوية، وحدوث موجات حارة فى شهر يناير أو فبراير تقلل كثيرا من المحصول،
وكذلك بنجر السكر الذى يتكون فيه السكر فى شهور الشتاء الباردة. وفى خلال هذه الموجات الحارة يوصى بالرى الليلى نظرا لشدة الحرارة نهارا وتحول المياه التى تضاف للأرض على بخار ساخن يحرق أوراق وجسم النبات ويضره ويخنق الجذور التى تحتاج للتنفس أكثر من احتياجها للماء الذى يخنقها. يوصى أيضا بتقريب الفترة بين الريات لتعويض ما يفقده النبات من مياه سواء من جسم النبات لتلطيف الجو حوله او من التربة حيث يفقد النبات نحو 99% مما يمتصه من مياه ولا يستفيد إلا بنحو 1% فقط للنمو والمحصول، ولذلك فإن المناخ وليس النبات هو المسبب الرئيسى لزيادة استهلاك المياه بمعنى أن النباتات التى تنمو فى المناطق الحارة تستهلك كميات أكبر من المياه من مثيلاتها التى تنمو فى المناطق المعتدلة والباردة،
ومثال ذلك أن القمح فى أسوان يستهلك ضعف كميات المياه التى يستهلكها القمح فى الدلتا ويعطى محصولا أقل، وكذلك قصب السكر والبنجر، فالمناخ وليس المحصول هو الذى يستهلك المياه. تتوقع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الزراعية انخفاض إنتاجية القطاع الزراعى بنسبة 25% فى الزراعات المروية وبنسبة 50% فى الزراعات المطرية (والتى تمثل 80% من زراعات العالم وتعطى 60% من الناتج الزراعى العالمى)، وأن ينخفض إجمالى الناتج المحلى بنسبة 4% فى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأكثر هشاشة وأقل بنى تحتية مقارنة بنسبة 1% فى الدول المتقدمة بحلول عام 2080 إذا استمر المناخ فى التدهور. وفى المقابل فهناك حاصلات ستستفيد من الاحترار العالمى ويزيد محصولها، وعلى رأسها القطن وفول الصويا وعباد الشمس والحمص والدخن، مع زيادة استهلاك قطاع الزراعة للمياه بنسبة من 8-10% بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الموارد المائية العالمية بنسبة 6%. كما تنخفض عموم إنتاجية الحاصلات والثروة الداجنة والحيوانية بنسبة 10% بسبب الاجهاد الحرارى الناتج من ارتفاع درجات الحرارة وتزيد نسب النفوق فى الدواجن. وقد تكون الزراعة الصيفية فى الصوبات الحديثة الكبيرة والمظللة بشباك التهوية إحدى وسائل التغلب على أضرار الموجات الحارة. هناك موجة حرارية تجتاح الشرق الأوسط وجنوب أوروبا تؤثر كثيرا على الإنتاج الزراعى.
> أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة
نقلا عن الاهرام