خالد منتصر
طه حسين، عميد الأدب العربى، على «ماسبيرو زمان»!! يا للهول، على رأى عميد المسرح يوسف وهبى، كنت قد حفظت، بل أدمنت، لقاء طه حسين الشهير مع المذيعة ليلى رستم، الذى كانت فيه كوكبة من المثقفين المصريين الكبار آنذاك، منهم الروائيون نجيب محفوظ وثروت أباظة ويوسف السباعى، والفيلسوف عبدالرحمن بدوى، والكاتب محمود أمين العالم، والصحفى أنيس منصور، معد الحلقة، لكن هذه الحلقة التى شاهدتها كانت مختلفة، ومع مذيعة مختلفة، البرنامج محتوى رائع، اسمه «كاتب وقصة»، من إعداد الناقد الفنى الكبير رأفت الخياط، وهو والد الصديقين د. هشام الخياط والصحفى عمرو الخياط، البرنامج كان يستضيف كاتباً، ويجرى معه حواراً قصيراً، ثم يعرض لقصة من قصصه بمشاهد تمثيلية بنجوم التليفزيون.
كان الضيف هو طه حسين، والقصة هى «المعذبون فى الأرض»، والمذيعة التى تحاوره كانت العظيمة سميرة الكيلانى، زوجة الكاتب الكبير محمود أمين العالم، تخيل عزيزى القارئ من هو مخرج البرنامج، إنه المخرج الكبير يحيى العلمى، صاحب الروائع التليفزيونية الخالدة، وعلى رأسها ملحمة «رأفت الهجان»، ومسلسل «هو وهى»، نوستالجيا ثقافية عشت معها نحو نصف ساعة، كنت منتشياً، وكنت أسمع طه حسين وهو يتحدث بصوته العذب، ويحكى عن مواقفه ومعاركه، بلغة هى كالموسيقى، إنه ينطق اللغة العربية وكأنه يعزف سيمفونية لموتسارت، كل حرف هو جملة موسيقية منفردة، حكى عن معركة كتابه الثورى «فى الشعر الجاهلى»، الذى كتبه وهو ما زال شاباً، ذلك الكتاب الذى خرجت ضده مظاهرات، وأحيل بسببه إلى النيابة، وحقق معه ومنحه البراءة وكيل نيابة سيخلد التاريخ اسمه، وهو محمد نور.
كنت فخوراً وأنا أشاهد البرنامج، فخوراً بالقامات التى كتبت وقدمت وأخرجت وأنتجت هذا البرنامج الذى استطاع استضافة عمالقة مثل طه حسين ونجيب محفوظ ويحيى حقى، الطريف أن د. طه حسين كان يتحدث عن ضعف الثقافة، عدّد الأسباب ومن بينها مشاهدة التليفزيون!!، لاحظ عزيزى القارئ أن التليفزيون كان وقتها قناتين فقط!!، الأولى والثانية، أو كما كنا نسميهما زمان خمسة وتسعة، لو استيقظ طه حسين الآن وفتح التليفزيون، ووجد أن هناك ألف قناة فضائية، ماذا سيقول؟!، ومع الموبايل أيضاً الذى يجلس أمامه الناس بالـ٢٤ ساعة!!، كان يشكو من قلة الإقبال على القراءة وقتها!! أعتقد أنه لو عرف الآن ماذا يقرأ الشباب، وعدد الكتب التى يقرأها العالم العربى كله فى العام، سيفضل أن يظل فى قبره راضياً بمستوى الثقافة ومعدل القراءة وقتها.
أتمنى أن تعود البرامج الثقافية بقوة، وليس أفضل من الدولة لرعاية هذا التصنيع الثقافى الثقيل، الذى لن تستطيع تنفيذه قناة خاصة، فهذا البرنامج خرج إلى النور بإمكانيات بسيطة جداً، وتقنيات متواضعة، لكن المحتوى القوى، والضيف العظيم، ومقدم البرنامج المذاكر المجتهد، كل هذا جعل من البرنامج وجبة شهية لا يمل المشاهد منها، برامج تستعرض الكتب الجديدة، وتعرّف المشاهد على الفنون الرفيعة، وأنشطة الأوبرا، والمتاحف الفنية والتاريخية، تعلّم المشاهد البسيط كيف يتذوق السينما والمسرح واللوحة والكونشيرتو، كيف يفهم الفلسفة وعلم النفس، كيف يطلع على فروع العلم الجديدة، ويناقش النسبية ونظرية الكم والذكاء الاصطناعى والهندسة الوراثية والصعود إلى المريخ، باختصار كيف يكون إنساناً جاهزاً لصدمات المستقبل.
نقلا عن الوطن