سامح فوزي
أكن على المستوى الشخصى تقديرا للفنانة سمية الخشاب التى لها أدوار متميزة فى السينما المصرية. لكن ليس معنى أن تكون ممثلة ناجحة، أن تتصدى للشأن العام بجملة من النصائح التى تعبر عن سطحية فى الرأى، وغياب الوعى الاجتماعى.
فى خضم امتحانات الثانوية العامة، التى تنشغل بها الأسر المصرية سواء التى لها طلاب وطالبات يؤدون الامتحانات هذه الأيام، أو يستعدون لذلك الكابوس فى الأعوام المقبلة، علقت الفنانة سمية الخشاب على صفحتها على تطبيق «إكس» أو «تويتر» سابقا بقولها: (التعليم مبيحددش لا مصير ولا نيلة، بتعرف تجيب فلوس هتعرف تتجوز وتسافر، مبتعرفش يبقى الشهادة هتقرطسها وتحط فيها طعمية) هذه العبارة فضلا عن ركاكة الصياغة، تعكس نظرة ضحلة لأسباب تقدم المجتمعات، وتختزل دور التعليم فى حياة الشعوب فى القدرة على جمع المال. إذن لا دور للتعليم فى الحراك الاجتماعى، أو التنمية البشرية، ولا غاية مبتغاة سوى الحصول على المال، ولم توضح الفنانة من أى مصدر يمكن تحقيق الثراء الموعود. وكأن المجتمع ينتظر نصائح الفنانة سمية الخشاب حتى يزيد من استهانته بالتعليم، ويزداد فى نظرته المادية الاستهلاكية لكل شىء.
والفنانة على ما يبدو تحاكى تجربتها فى عالم الفن، هى وزملاؤها، الذين لم يحققوا شهرة ومالا بالتعليم، ولكن عبر الدخول من أبواب الفن المتعددة، وهى حالة شديدة الاستثناء لها مقومات لا تقدر عليها سوى قلة قليلة من البشر.
وهى بذلك لا تنقل فقط خلاصة تجربتها فى عالمها الواقعى ولكن أيضا نتاج أعمالها الفنية أمام الكاميرا. نتذكر فى فيلم عمارة يعقوبيان كيف اختارت سمية الخشاب أو سعاد التضحية بابنها وأسرتها، والمدينة التى تعيش فيها، من أجل الزواج من نور الشريف أو الحاج عزام زواجا ثانيا سريا بهدف الحصول على المال، ورغد العيش، والابتعاد عن الفقر، وسعت للإنجاب منه رغم نفورها من العلاقة معه بهدف أن يكون لديها طفل يزاحم أبناءه من زوجته الأولى على الميراث. ولكن لم يتحقق لها ما أرادت، وقرر عزام أن يجهض زوجته سعاد، وطلقها.
هكذا تعامل الشخص الجاهل الذى يمتلك المال، فقد ظن أن زوجته جزء من ممتلكاته، له حرية التصرف فى جسدها، وتحديد مصيرها. بالتأكيد لا أحد ينكر أهمية المال، لكن لا يمكن أن نعتبره أهم من التعليم أو مرادفا له. كنت أفهم أن يكون حديث الفنانة فى اتجاه لفت الأنظار إلى أن الحياة العملية تحتاج إلى خبرات أوسع من الحصول على الشهادة الدراسية، أو ضرورة أن يكون التعليم مرتبطا بسوق العمل وليس نظريا بحتا، أو أن الإقبال على الالتحاق بالكليات النظرية فى ضوء تراجع الطلب عليها فى سوق العمل لا يؤدى إلى وضع مالى جيد لخريجيها بعكس الكليات التى توصف بالعملية. فى كل الأحوال أيا كانت أسباب ومظاهر تراجع التعليم، فلن يكون دوره ثانويا أو عديم القيمة، لأن حياة الناس تتقدم بالعلم.
وإذا كان المال يشغل تفكير غالبية أو جميع الناس خاصة فى ضوء تزايد معدلات التضخم، فإن هناك نماذج حولنا تثبت أن التعليم الجيد يقود إلى تكوين ثروات فى حياة الأفراد خاصة الذين يعملون فى مجالات مهنية، واستطاعوا أن يثبتوا كفاءة فيها، وهى تجربة شرائح عديدة من الطبقة الوسطى، فضلا عن أن الكثير من الموسرين الذين كونوا ثروات ضخمة دون أن يمتلكوا مؤشرات التحضر الاجتماعى المعروفة من تعليم، أو انتماء عائلى وغيرهما، لجأوا إلى الإنفاق بكثافة على تعليم أبنائهم لتعويض مكانة اجتماعية يفتقدونها فى ذواتهم.
أظن يكفى المجتمع ما به من اضطراب اجتماعى، واهتزاز فى سلم القيم، وعلينا أن نتوقف عن تصدير آراء سلبية محبطة للأجيال الجديدة، الذين يكفيهم ويكفى أسرهم الإحباط والقلق اللذين يعانون منهما.
نقلا عن الشروق