د. رامي عطا صديق
فى تقديرى أن قراءة وتدريس ودراسة تاريخ الشخصيات والسير فى مختلف المجالات ودروب المعرفة واجب قومى وضرورة حياتية، فهى تبعث فينا الأمل، وتؤكد أن مصر دولة عظيمة وولّادة، أنجبت عظماء كثيرين عبر تاريخها الطويل والعريق الذى يمتد لآلاف السنين، نقرأ هذه السير فنتعلم من مسيرة حياتهم، انتصاراتهم وانكساراتهم، فترات التوفيق والنجاح ولحظات الفشل والإخفاق. ومن بين أعلام مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر ثلاثة نجباء حملوا جميعم اسم «نجيب»، وعاشوا أغلب سنوات حياتهم فى القرن العشرين.
(١)
نجيب الأول هو الفنان نجيب الريحانى (٢١يناير١٨٨٩-٨يونيو١٩٤٩م)، وُلد لأب عراقى وأم مصرية، وعاش فى حى باب الشعرية بالقاهرة. امتهن الفن وعمل فى المسرح والسينما، وارتبط بصداقة فنية مع بديع خيرى، ومن أبرز أعماله التى قدمها للمسرح «٣٠ يوم فى السجن»، «الدلوعة»، «الدنيا على كف عفريت»، «إلا خمسة»، ومن أعماله التى قدمها للسينما: «أبو حلموس»، «صاحب السعادة كشكش بيه»، «سلامة فى خير»، «ياقوت»، «سى عمر»، «لعبة الست»، «أحمر شفايف»، و«غزل البنات».
كان نجيب الريحانى صاحب مدرسة خاصة فى الكوميديا، الضاحكة والباكية، ما جعل له جمهورا كبيرا على المستوى المصرى والعربى، وجعلت أعماله تستمر على الشاشة إلى اليوم، حيث رأى الكثير من المصريين أنفسهم فى شخصيته وأعماله.
(٢)
نجيب الثانى هو الدكتور نجيب باشا محفوظ (٥يناير١٨٨٢-٢٥يوليو١٩٧٤م). وُلد فى المنصورة، والتحق بمدرسة طب قصر العينى (كلية الطب جامعة القاهرة حاليًا). وقد ظهر نبوغه مبكرًا حين اكتشف سبب وباء الكوليرا فى صعيد مصر، أثناء عامه الأخير فى الكلية، حيث تطوع لمواجهة هذا الوباء، وذهب إلى قرية موشا بأسيوط، وهناك اكتشف بئرًا ملوثة فى بيوت أحد الفلاحين كانت هى مصدر هذا الوباء، فأنقذ حياة الآلاف. يُعتبر الدكتور نجيب محفوظ رائد علم أمراض النساء والولادة فى مصر والعالم العربى، وكان جراحون كثيرون حول العالم يأتون إلى مصر ليتعلموا منه، ومن مؤلفاته «مبادئ أمراض النساء»، «أمراض النساء العملية»، «فن الولادة»، «الثقافة الطبية»، «الطب النسوى عند العرب»، «تاريخ التعليم الطبى فى مصر»، وقد حمل أطلس أمراض النساء والولادة العالمى (بـ٦ لغات) اسم «أطلس محفوظ لأمراض النساء والولادة».
والجدير بالذكر أنه اهتم بالعمل والنشاط فى المجال العام، إذ لم يكتف بمهنته على الرغم من أهميتها، فكان عضوًا فى عدد من الجمعيات الأهلية الخيرية.
(٣)
أما نجيب الثالث فهو القاص والروائى الكبير نجيب محفوظ، المعروف بأديب نوبل، وقد عاش بين ١١ديسمبر١٩١١م و٣٠أغسطس٢٠٠٦م، وكان الدكتور نجيب محفوظ هو الذى أشرف طبيًا على ولادته التى كانت مُتعسّرة، فأصر الأب عبد العزيز إبراهيم، بمحبته وسماحته، على أن يُسمى ابنه على اسم الطبيب النابغة.
درس نجيب محفوظ الفلسفة فى جامعة فؤاد الأول (القاهرة فيما بعد)، واتجه صوب الأدب حيث قدم قصصًا وروايات كثيرة، ومن أبرز أعماله الأدبية: الثلاثية «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية»، ورادوبيس، ميرامار، أولاد حارتنا، عبث الأقدار، اللص والكلاب، السمان والخريف، أفراح القبة، حديث الصباح والمساء، السراب.. وقد تحولت معظم أعماله إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية، خاصة وأنه أجاد تقديم الحارة المصرية والأوساط الشعبية فى قصصه ورواياته، واستطاع أن يصل بأعماله ذات الصبغة المحلية إلى العالمية، حيث حصد جائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٨٨م، ليكون أول مصرى وعربى يحصد هذه الجائزة الرفيعة.
تعرض الأديب الكبير لمحاولة اغتيال آثمة على يد شابين عام ١٩٩٥م، لاتهامه بالكفر والخروج عن الدين، وأظهرت التحقيقات مع الجناة أنهما لم يقرآ شيئًا لنجيب محفوظ!! وفى السنوات الأخيرة من حياته كان يقوم بإملاء مقالاته للكاتب والأديب الكبير محمد سلماوى لتنشر صباح كل يوم خميس فى جريدة (الأهرام).
هكذا كان الثلاثة، الفنان نجيب الريحانى والدكتور نجيب محفوظ والأديب نجيب محفوظ، من عظماء مصر وخيرة أبنائها، برع الأول فى مجال الفن على مستوى المسرح والسينما، وتميز الثانى فى مجال الطب والعمل العام، وتألق نجم الثالث فى عالم الأدب والسينما والتليفزيون. وبالتأكيد هناك نجباء آخرون، منهم نجيب سرور ونجيب الكيلانى ونجيب بطرس غالى.. قدموا الكثير للبشرية فى مجالات متنوعة، وهم يستحقون الاحتفال والاحتفاء، وتقديم سير حياتهم للأجيال الجديدة فى المناهج الدراسية والمؤلفات والمسابقات الثقافية والأعمال الدرامية، لعلنا نتعلم ونستفيد.
نقلا عن المصرى اليوم