ياسر أيوب
فى واحدة من أغرب حكايات بطولة أمم أمريكا اللاتينية الحالية.. وربما فى كرة القدم كلها فى العالم ببلدانها وبطولاتها.. توفى رجل من شيلى وقامت أسرته بوضع جثمانه فى تابوت مغطى بقميص منتخب شيلى لكرة القدم.. وبدلا من أن تبدأ الأسرة مراسم جنازة فقيدها.. وضعوا التابوت أمام شاشة تذيع مباراة شيلى وبيرو فى البطولة الحالية.. وبجوار الشاشة صورة للراحل وهو يحمل كأسا.
وأيضا لافتة ضخمة كتبتها الأسرة تشكر فيها العم فينيا على كل ما قدمه لهم وأنهم سيذكرونه دائما.. وكان من الواضح أن الأسرة قررت تأجيل أى مراسم إلى ما بعد المباراة التى انتهت بالتعادل مع بيرو.. واختلف المقربون من الأسرة حول تفسير هذا السلوك.. وهل كانت الأسرة تريد أن يشهد العم فينيا آخر مباراة قبل دفنه حتى إن كان ميتا داخل تابوت لأنه كان من العشاق الكبار لكرة القدم ومجنونا بتشجيع منتخب بلاده.. أم أن أعضاء الأسرة هم الذين كانوا يريدون الفرجة على المباراة وبعدها يقومون بكل ما يلزم لوداع أخير يليق بالعم فينيا.. وما بين ساخط وساخر ومستغرب وغاضب.. تناول وتداول إعلام العالم هذه الحكاية.. المشكلة فقط كانت تصور البعض أنها حكاية تصلح دليلا على مدى عشق الناس فى شيلى لكرة القدم.
والواقع أنها حكاية لا تصلح لذلك ويفيض تاريخ كرة القدم فى شيلى بحكايات كثيرة أهم وأجمل وأعمق من الفرجة الأخيرة على مباراة داخل تابوت.. فقد جاءت الكرة أولا مع التجار الذين كانت ترسو مراكبهم فى ميناء ومدينة فالباريسو وظلت هناك لعبة استعراضية حتى ١٨٨٠ حين اعترفت بها وأحبتها العائلات الكبرى والأرستقراطية وأصبحت لعبة يعشقها بجنون كل الناس فى شيلى.. وتأسس اتحاد الكرة هناك ١٨٩٥ وكانت شيلى أحد أربعة بلدان أسست اتحاد أمريكا اللاتينية وبدأت بطولتها الكبرى التى استضافتها سبع مرات وشاركت فيها ٤١ مرة، إلا أنها لم تفز بها إلا مرتين فقط فى ٢٠١٥ و٢٠١٦.. وشيلى أيضا واحدة من ١٨ دولة فقط استضافت المونديال.. وكان مونديال ١٩٦٢ الذى هو الدليل الحقيقى على عشق شيلى لكرة القدم.. ففى ١٩٦٠ تعرضت شيلى لأكبر وأطول وأقوى زلزال فى التاريخ مات بسببه ستة آلاف شخص وانهار ٥٨ ألف بيت وتهدمت استادات المونديال ولم تعد شيلى تملك إلا ثلاثة استادات فقط صالحة للعب، وأصر رئيس الدولة على استضافة المونديال، واثقا أن كرة القدم هى التى ستسرق شيلى من أحزانها ودموعها.. وتنازل الفيفا عن كل شروطه والمنتخبات عن كل المطالب، وأقيم المونديال بالفعل واستعادت كرة القدم إنسانيتها فى شيلى التى فازت لأول وآخر مرة بالمركز الثالث.
نقلا عن المصري اليوم