ياسر أيوب
لم يكن الروسى أنطون تشيكوف فقط أحد أعظم وأشهر أدباء العالم وناظر مدرسة القصة القصيرة، إنما كان أيضا أحد أكثر المقتنعين بلعبة الجمباز وحركاتها الصعبة والجميلة التى تتجسد فيها قدرة الإنسان على التحكم فى جسده بمنتهى الرشاقة والدقة والأناقة.. ولذلك أصبح فى ١٨٨٣ هو المؤسس الأول والأهم للاتحاد الروسى للجمباز.
وإذا كان كثيرون قد أبدوا إعجابهم واحترامهم لكتابات تشيكوف وأيضا قدرته على الجمع بين الطب والكتابة، حيث ظل يردد دائما أنه تزوج الطب لكنه عشق الكتابة.. فإن العبارة الأهم على الإطلاق كانت تلك التى أكد فيها أن الإنسان تزداد تعاسته وشقاؤه كلما رأى وعرف أكثر.
وقد مات تشيكوف ١٩٠٤ قبل أن يرى ويعرف أن اللعبة التى أحبها ستصبح ميدانا لحرب قاسية بين الغرب والشرق.. وحتى لا يطول الحديث عن حرب الجمباز الطويلة التى كانت معظم معاركها غير معلنة وعن نجومها وضحاياها سواء كانوا رابحين أو خاسرين.. يمكن الاكتفاء بحكاية لاعبة الجمباز السوفيتية لاريسا لاتينينا التى لم يسمح لها الغرب بأن تنال ما تستحقه من شهرة وحفاوة واهتمام.
ولهذا سيبقى كثيرون جدا فى العالم لا يعرفون من هى لاريسا أصلا رغم أنها أكثر لاعبة فى التاريخ فازت بميداليات أولمبية حيث ازدانت رقبتها بـ ١٨ ميدالية منها ٩ ميداليات ذهبية و٥ ميداليات فضية و٤ ميداليات برونزية.. ولاريسا أيضا واحدة من أربعة رياضيين فقط فازوا بتسع ميداليات أولمبية ذهبية.. وواحدة من ثلاث لاعبات فقط فزن فى نفس اللعبة بميدالية الذهب فى ثلاث دورات أوليمبية متتالية أو أكثر.
ففى الحركات الأرضية فازت لاريسا بالذهب فى ملبورن ١٩٥٦ وروما ١٩٦٠ وطوكيو ١٩٦٤.. وظلت لاريسا ٤٨ سنة هى أكثر السيدات والرجال فوزا بميداليات أولمبية حتى تخطاها السباح الأمريكى مايكل فيليبس فى دورة لندن ٢٠١٢ فأصبحت لاريسا هى المرأة فقط الأكثر فوزا بميداليات.. وعاشت لاريسا الفقر فى طفولتها بعد أن هجر والدها البيت وهى لاتزال فى شهرها الثامن وتولت رعايتها والدتها سيميون غير المتعلمة وكانت تعمل كخادمة لتنظيف بيوت الآخرين.
ورغم حياة كانت صعبة وقاسية فى بدايتها إلا أن مزيج الموهبة الطبيعية والتدريبات الشاقة والإرادة الحديدية قادت لاريسا لأن تصبح اللاعبة الأولمبية الأفضل فى التاريخ.. ولم يكن الغرب سعيدا بذلك فكان من الضرورى تهميشها مقابل مزيد من الأضواء على اللاعبات الأمريكيات.
وكان بإمكان لاريسا تغيير ذلك كله لو أنها قررت أن تصبح أوكرانية حيث ولدت هناك حين كانت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفيتى.. لكنها اختارت أن تبقى روسية ولاتزال تعيش فى موسكو مع زوجها الثالث مهندس الإليكترونات ولاعب الدراجات السابق.
نقلا عن المصري اليوم