د. ممدوح حليم
كتب الكتاب المقدس من أجل الإنسان بكل مكوناته. وهو يقدس المشاعر الإنسانية المحترمة الراقية. إن قصة راعوث خير مثال على ذلك . إنها قصة امرأتين ( راعوث وحماتها) قست عليهما الأيام. أما الأخيرة فقد غيب الموت زوجها وابنيها، مأساة إنسانية. وأما راعوث فقد مات زوجها. ولم يعد لهما رجل يحميهما وينفق عليهما في أرض الغربة.

 لنقرأ القصة من سفر/ كتاب راعوث الواردة في العهد القديم ، وهو ثالث الأسفار التاريخية. إن للمرأة مكانة ممتازة في الكتاب المقدس ، وها سفر يحمل اسمها، ونقرأ فيه:

 ١ حدث في أيام حكم القضاة أنه صار جوع في الأرض، فذهب رجل من بيت لحم يهوذا ليتغرب في بلاد موآب هو وامرأته وابناه. ٢ واسم الرجل أليمالك، واسم امرأته نعمي، واسما ابنيه محلون وكليون، أفراتيون من بيت لحم يهوذا. فأتوا إلى بلاد موآب وكانوا هناك. ٣ ومات أليمالك رجل نعمي، وبقيت هي وابناها. ٤ فأخذا لهما امرأتين موآبيتين، اسم إحداهما عرفة واسم الأخرى راعوث. وأقاما هناك نحو عشر سنين. ٥ ثم ماتا كلاهما محلون وكليون، فتركت المرأة من ابنيها ومن رجلها. ٦ فقامت هي وكنتاها ورجعت من بلاد موآب، لأنها سمعت في بلاد موآب أن الرب قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزا. ٧ وخرجت من المكان الذي كانت فيه وكنتاها ( زوجتا ابناها ) معها، وسرن في الطريق للرجوع إلى أرض يهوذا. ٨ فقالت نعمي لكنتيها: «اذهبا ارجعا كل واحدة إلى بيت أمها. وليصنع الرب معكما إحسانا كما صنعتما بالموتى وبي. ٩ وليعطكما الرب أن تجدا راحة كل واحدة في بيت رجلها». فقبلتهما، ورفعن أصواتهن وبكين. ١٠ فقالتا لها: «إننا نرجع معك إلى شعبك». ١٤ ثم رفعن أصواتهن وبكين أيضا. فقبلت عرفة حماتها، وأما راعوث فلصقت بها. ١٥ فقالت: «هوذا قد رجعت سلفتك إلى شعبها وآلهتها. ارجعي أنت وراء سلفتك». ١٦ فقالت راعوث: «لا تلحي علي أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت. شعبك شعبي وإلهك إلهي. ١٧ حيثما مت أموت وهناك أندفن. هكذا يفعل الرب بي وهكذا يزيد. إنما الموت يفصل بيني وبينك». ١٨ فلما رأت أنها مشددة على الذهاب معها، كفت عن الكلام إليها. ١٩ فذهبتا كلتاهما حتى دخلتا بيت لحم. وكان عند دخولهما بيت لحم أن المدينة كلها تحركت بسببهما، وقالوا: «أهذه نعمي؟» ٢٢ فرجعت نعمي وراعوث الموآبية كنتها معها، التي رجعت من بلاد موآب، ودخلتا بيت لحم في ابتداء حصاد الشعير. (راعوث ١: ١-١٠، ١٤-١٩، ٢٢)

 كم كان مؤثرا مشهد الحماة وهي تلح على زوجتي ابنيها الذين غيبهما الموت أن يذهبا ويعودا إلى بلادهما ويتركاها لحالها. علت أصواتهن بكاء ونحيبا كعادة الشرقيين. وبعد إلحاح شديد، عاد واحدة وبقيت الأخرى مع حماتها مرافقة لها لتصبح غريبة في بلاد غريبة وبلا رجل يحميها وينفق عليها. يالها من محبة نادرة راقية سامية.

 لكن القصة لم تنته عند هذا الحد المأسوي. فالأحزان لا تدوم. وهناك فجر بعد الظلام، وشمس تشرق لتنقشع البرودة. والحب الدافئ له مكافأة، وهو ما سنراه في الحلقة القادمة.