محرر الأقباط متحدون
لمناسبة زيارة البابا فرنسيس إلى مدينة ترييستيه الإيطالية يوم غد الأحد ليختتم فعاليات "الأسابيع الاجتماعية الإيطالية" في نسختها الخمسين، أصدرت صحيفة "إيل بيكّولو" نصاً بقلم الحبر الأعظم، هو عبارة عن مقدمة لكتيب يضم مجموعة من الخطابات والرسائل البابوية بعنوان "في صلب الديمقراطية"، من إصدار مكتبة النشر الفاتيكانية والصحيفة الإيطالية المذكورة، وسيوزّع الكتيب يوم غد الأحد مجاناً مرفقاً بالعدد اليومي للجريدة. كما يتضمن الكتيب مقدمة بقلم رئيس مجلس أساقفة إيطاليا الكاردينال ماتيو زوبي.

كتب البابا إنه يسر جداً بتقديمه الكتيب الذي سيوضع بتصرف القراء تزامناً مع زيارته إلى ترييستيه يوم غد الأحد. وأكد فرنسيس أن تواجده في هذه المدينة التي تتميّز بتنوع الثقافات والأديان والأعراق، جاء لمناسبة الأسابيع الاجتماعية للكاثوليك الإيطاليين الذي ينظمه مجلس الأساقفة، ويجري هذا العام تحت عنوان "في صلب الديمقراطية. المشاركة بين التاريخ والمستقبل".

بعدها ذكّر الحبر الأعظم بأن عبارة "ديمقراطية" أبصرت النور في اليونان القديمة لتدل على السلطة التي يمارسها الشعب من خلال ممثليه. ومع أن هذا النظام عرف انتشاراً كبيراً في العالم إلا أنه ما يزال يعاني من مرض خطير، ألا وهو "التشكك الديمقراطي". وتوقف عند صعوبة التعامل مع المشاكل المعقدة في زماننا الراهن، من بينها غياب فرص العمل، والنفوذ المفرط للنموذج التكنوقراطي، إذ يبدو أحياناً أن الديمقراطية تتراجع لحساب الشعبوية. لكن مما لا شك فيه أن النظام الديمقراطي أسس لقيمة كبيرة، ألا وهي أن نكون معاً، أي أن الحكم يتم في إطار جماعة تتحاور وتتناقش بحرية وبعلمانية، وضمن السعي إلى ممارسة فن الخير العام، وهذا هو معنى السياسة.

مضى البابا إلى القول إن كلمة "معاً" هي أيضا مرادف لكلمة "مشاركة"، مشيرا إلى أن المشاكل المطروحة اليوم أمامنا هي مشاكل الجميع، وتعني الجميع. والسبيل الديمقراطي هو أن نناقش هذه المشاكل معاً وندرك أنه يمكننا أن نحلها فقط إذا ما كنا معا، لأنه لا أحد يستطيع أن ينجو بمفرده ضمن أي جماعة، بما في ذلك الجماعة البشرية. وقد أدرك هذه الحقيقة جيداً جوزيبيه تونيولو، مؤسس الأسابيع الاجتماعية للكاثوليك الإيطاليين، فكان خبيراً اقتصادياً وفهم جيداً محدودية النظرة الأنتروبولوجية التي ترى في الإنسان منفعته المادية وحسب، وتجرده من بعده العلائقي.  

هذا ثم تناول البابا معنى "صلب الديمقراطية" لافتا إلى أنه من الأفضل أن نعمل ونتعاون معاً، وأكد أنه في هذا السياق واحد زائد واحد ليسا اثنين، بل ثلاثة، لأن المشاركة – كما يقول الخبراء الاقتصاديون – تشكل بحد ذاتها قيمة مضافة، والشعور الإيجابي والملموس بالتضامن الذي يولد من التوافق والمقاسمة. وأشار فرنسيس إلى أننا نجد في عبارة "مشاركة" المعنى الأصيل للديمقراطية وللولوج إلى صلب المنظومة الديمقراطية، لأن الديمقراطية تتطلب المشاركة والحوار ووضع قناعاتنا ومثلنا بتصرف الجماعة. إنها تتطلب المجازفة، لكن هذه المجازفة هي الأرض الخصبة التي تنبت فيها الحرية. وذكّر الحبر الأعظم هنا بأن الوقوف موقف المتفرج إزاء ما يجري حولنا، ليس فقط أمراً غير مقبول من الناحية الخلقية، إنما ليس أمرا حكيما ولا مناسباً.

تابع البابا يقول إن القضايا الاجتماعية التي نحن مدعوون إلى التفاعل معها كثيرة جدا، وقال إنه يفكر بالضيافة الذكية والخلاقة، على سبيل المثال، التي تعزز التعاون والاندماج بالنسبة للمهاجرين، لافتا إلى أن مدينة ترييستيه تعرف جيداً هذه الظاهرة لكونها قريبة مما يُسمى بالمسار البلقاني. وأضاف البابا أنه يفكر أيضا بالشتاء الديمغرافي، الذي تعاني منه إيطاليا كلها، كما يفكر باختيار السياسات الملائمة لصالح السلام، والتي تضع في المقام الأول فن التفاوض، لا خيار إعادة التسلح. وشدد فرنسيس على ضرورة الاهتمام ببعضنا البعض الذي يتحدث عنه دائماً الرب يسوع في الإنجيل.

ختم البابا فرنسيس مقدمة الكتيب "في صلب الديمقراطية" متمنياً أن ينطلق من مدينة ترييستيه، المطلة على البحر الأبيض المتوسط والتي تشكل بوتقة للثقافات والأديان والشعوب المختلفة والتي هي صورة للأخوة البشرية التي نتوق إليها في أزمنة مظلمة بسبب الحروب، التزام راسخ في حياة ديمقراطية تتميّز بالمشاركة وتهدف إلى الخير العام الحقيقي.

أما الكاردينال زوبي فذكر في مقدمته بأن الكنيسة الكاثوليكية اختارت بقناعة السير في درب الديمقراطية من أجل تحقيق الخير العام والذي هو الغاية من عقيدتها الاجتماعية. واعتبر أنه لا بد أن يُدافع اليوم عن الديمقراطية في خضم الأزمنة الصعبة التي نعيشها، حيث نشهد محاولات لخنق النقاش الديمقراطي، والكنيسة الخبيرة في الشؤون الإنسانية، كما كان يقول البابا بولس السادس، مدعوة اليوم إلى تحذير الجميع من مغبة فقدان هذا الكنز الثمين.

وذكّر رئيس مجلس أساقفة إيطاليا أننا معاً نستطيع التغلب على الجائحات، ولا بد أن نواصل السير معاً، كما يدعونا البابا فرنسيس من خلال صفحات هذا الكتيب، لذا يتعين على الجميع أن يقرأوا خطابات ورسائل الحبر الأعظم ويتأملوا بها، لاسيما من يشغلون مناصب مسؤولة في الحياة العامة.