كتب - محرر الاقباط متحدون 
ترأس قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، في إطار زيارته الرسوليّة إلى ترييستيه للمشاركة في "الأسابيع الاجتماعية"، القداس الإلهي في ساحة الوحدة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها :  لكي يوقظ رجاء القلوب المنكسرة ويعضد تعب المسيرة، أقام الله دائمًا أنبياء في وسط شعبه. ومع ذلك، وكما تخبرنا القراءة الأولى اليوم من خلال سرد أحداث حزقيال، لقد كانوا يجدون في كثير من الأحيان شعبًا متمردًا، "بنينًا صلاب الوجوه قساة القلوب"، وكان يتمُّ رفضهم. ويسوع أيضًا قد عاش خبرة الأنبياء عينها. فقد عاد إلى الناصرة، وطنه، وسط الأشخاص الذين نشأ معهم، ولكنّهم لم يعترفوا به، لا بل رفضوه: "جاء إلى بيته. فما قبله أهل بيته". 
 
 
يخبرنا الإنجيل أن يسوع "كان لهم حجر عثرة"، لكن كلمة "حجر عثرة" لا تشير إلى شيء فاحش أو غير لائق كما نستخدمها اليوم؛ إن كلمة "حجر عثرة"، تعني عائق، مانع، شيء يعيقك ويمنعك من المضي قدمًا. لنسأل أنفسنا: ما هو العائق الذي يمنعنا من أن نؤمن بيسوع؟.
 
 
تابع البابا فرنسيس يقول بالإصغاء إلى خطب مواطنيه، نرى أنهم يتوقفون فقط عند تاريخه الأرضي، عند أصل عائلته، وبالتالي، فهم لا يمكنهم أن يشرحوا كيف يمكن أن يخرج من ابن يوسف النجار أي من شخص عادي هذا المقدار من الحكمة وحتى القدرة على اجتراح المعجزات.
 
 
 ولذلك فحجر العثرة هو بشريّة يسوع. إن العائق الذي يمنع هؤلاء الأشخاص من الاعتراف بحضور الله في يسوع هو حقيقة أنه إنسان، أنه ببساطة ابن يوسف النجار: كيف يمكن لله، القدير، أن يُظهر نفسه في هشاشة جسد إنسان؟ كيف يمكن للإله القدير والقوي، الذي خلق الأرض وحرّر شعبه من العبودية، أن يصبح ضعيفًا لدرجة أنه جاء في الجسد وانحنى لكي يغسل أرجل التلاميذ؟ أيها الإخوة والأخوات، هذا هو حجر العثرة: إيمان مؤسس على إله بشري، ينحني على البشريّة، ويعتني بها، ويتأثر بجراحنا، ويأخذ تعبنا على عاتقه، ويكسر نفسه لنا كالخبز. إن الإله الجبار والقوي الذي يقف بجانبي ويرضيني في كل شيء هو إله جذاب؛ أما الإله الضعيف، الذي يموت على الصليب محبّةً بي ويطلب مني أيضًا أن أتغلب على كل أنانية وأقدم حياتي من أجل خلاص العالم، فهو إله مزعج. ومع ذلك، إذ نضع أنفسنا أمام الرب يسوع وننظر إلى التحديات التي تُسائلنا، وإلى المشاكل الاجتماعية والسياسية العديدة التي تمّت مناقشتها أيضًا في هذا الأسبوع الاجتماعي، وإلى الحياة الملموسة لشعبنا ونضالاته.
 
 
 يمكننا أن نقول إننا نحتاج اليوم بشكل خاص إلى حجر عثرة الإيمان. نحن لا نحتاج لتديُّن منغلق على نفسه، يرفع نظره إلى السماء بدون أن يبالي بما يحدث على الأرض، ويحتفل بالليتورجيا في الهيكل وينسى الغبار الذي يسري على دروبنا.
 
أضاف الأب الأقدس يقول ما نحتاج إليه، هو حجر عثرة الإيمان، إيمان متجذّر في الله الذي صار إنسانًا، وبالتالي، إيمان بشري، إيمان جسدي، يدخل في التاريخ، ويلمس حياة الأشخاص، ويشفي القلوب المنكسرة، ويصبح خميرة رجاء وبذرة عالم جديد. إنه إيمان يوقظ الضمائر من سباتها، ويضع أصبعه في جراح المجتمع، ويطرح الأسئلة حول مستقبل الإنسان والتاريخ؛ إنه إيمان لا يهدأ، يساعدنا على التغلب على رداءة القلب وفتوره، ايمان يصبح شوكة في جسد مجتمع غالبًا ما تخدّره وتبهته النزعة الاستهلاكية. إنه إيمان يزيح حسابات الأنانية البشرية، ويدين الشر، ويشير بأصابع الاتهام إلى الظلم، ويفسد مؤامرات الذين، تحت ظل السلطة، يلعبون بحياة الضعفاء.
 
أضاف الحبر الأعظم يقول يصف أحد شعراء هذه المدينة، في قصيدة غنائية عودته المعتادة إلى منزله في المساء، ويقول إنه يعبر شارعًا مظلمًا إلى حد ما، مكان تداعي حيث يكون البشر وبضائع الميناء "مُخلّفات"، أي فضلات البشريّة؛ ولكن هنا - يكتب - "أجد، في عبوري، اللامتناهي في التواضع"، لأن العاهرة والبحار، والمرأة التي تجادل والجندي، "هم جميعهم مخلوقات الحياة والألم؛ وفيهم كما فيّ يقيم الرب". لا ننسينَّ هذا الأمر أبدًا: الله يختبئ في زوايا الحياة المظلمة وفي مدننا، وحضوره يظهر بالتحديد في الوجوه التي جوَّفها الألم وحيث يبدو أن الانحطاط ينتصر. إن أزليّة الله تختبئ في البؤس البشري، والرب يتحرّك ويصبح حضورًا ودودًا تحديدًا في الجسد المجروح للأخيرين والمنسيّين والمهمّشين. ونحن، الذين نعثر أحيانًا عبثًا بسبب العديد من الأشياء الصغيرة، من الأفضل أن نسأل أنفسنا: لماذا لا نعثر إزاء الشر الذي ينتشر، والحياة التي تتعرض للإهانة، ومشاكل العمل، وآلام المهاجرين؟ لماذا نقف غير مبالين إزاء مظالم العالم؟ لماذا لا نأخذ على محمل الجد حالة السجناء، والتي ترتفع أيضًا من مدينة ترييستيه هذه مثل صرخة ألم؟.