ياسر أيوب
علّمهم تاريخهم الحافل بالدم والألم وكل أنواع الجروح كيف تصبح ابتساماتهم هى الدواء والسلاح.. وعلّمتهم تناقضات حياتهم وتقلبات تاريخهم بين الضعف والقوة والفقر والثراء ألّا يفقدوا الأمل أبدًا.. ولهذا باتت أشهر حكمة إسبانية يرددها الجميع هى.. آل مال تييمبو بوينا كارا.. وهى عبارة يمكن قراءتها بأكثر من معنى.. أن الأوقات الصعبة ستمر إن أردنا ذلك أو لم نستسلم لها وأن ابتسامتنا يمكنها تغيير كل شىء.
ويؤمن الإسبان بذلك فى كل مجالات حياتهم، بما فيها كرة القدم.. وقبل أن يسافر الإسبان إلى العاصمة الألمانية برلين ليبدأوا منها مشوارهم مع بطولة أوروبا الحالية.. أعاد مديرهم الفنى، لويس ديلا فوينتى، تلك العبارة قبل مغادرة مدريد لأنه أرادهم أن يبتسموا ويتفاءلوا رغم أن الكرة الإسبانية تعيش واحدًا من أصعب أوقاتها.. فبعد فوز الإسبانيات فى أغسطس الماضى لأول مرة بمونديال السيدات.
توالت الأزمات والفضائح.. رئيس اتحاد الكرة تحرش بلاعبة، وقبّلها دون إرادتها، وثارت اللاعبات والإعلام وإسبانيا ثم أوروبا كلها ليضطر الرجل إلى الاستقالة.. ويبدأ القضاء الإسبانى التحقيق فى اتهامات فساد ورشوة طالت كثيرين لتضطر حكومة إسبانيا فى إبريل الماضى إلى تشكيل لجنة خاصة لمراقبة أعمال وقرارات اتحاد الكرة.. وقضايا وشكوك وأشواك كثيرة قرر الإسبان نسيانها قبل أن تبدأ بطولة أوروبا.
وعلى الطريقة الإسبانية.. قرر اللاعبون ومديرهم الفنى نسيان كل الأزمات والفضائح، وأن يتذكروا فقط أن بطولة أوروبا تحب إسبانيا.. فهى ثانى دولة تفوز بها ١٩٦٤.. والدولة الوحيدة التى فازت بها مرتين متتاليتين فى ٢٠٠٨ و٢٠١٢.. وفازت إسبانيا بالبطولة ثلاث مرات فى أربع نهائيات تأهلت لها لتصبح مع ألمانيا دولتين وحيدتين فازت كل منهما ببطولة أوروبا ثلاث مرات.
وهى أيضًا إحدى ثلاث دول فقط استضافت البطولة وفازت بها.. إسبانيا ١٩٦٤ وإيطاليا ١٩٦٨ وفرنسا ١٩٨٤.. ولست أدعى أن هذه الفلسفة الحياتية الإسبانية هى البديل لأى استعدادات فنية وخطط ومواهب ومهارات لاعبين.. ولا أزعم أيضًا أنها ستنجح فى كل مرة.. فإسبانيا لم تفز بالمونديال إلا فى ٢٠١٠، ولم تشغل أيًّا من المراكز الأولى إلا المركز الرابع فقط فى مونديال ١٩٥٠.
ولعب الإسبان فى بطولة أوروبا كأنهم يرقصون الفلامنجو.. رقصتهم الشهيرة التى ابتكرها غجر إسبانيا، وهى تعنى أن ترقص لتؤكد رفضك للظلم وعدم استسلامك لأى خوف وحزن واكتئاب.. ولم ينسَ الإسبان فى هذه البطولة أيضًا أنهم الدولة اللاتينية الوحيدة فى أوروبا.. وبالعشق اللاتينى لكرة القدم.. فازوا على كرواتيا وإيطاليا وألبانيا فى الدور الأول وجورجيا فى دور الـ١٦.. وأمس الأول، على ألمانيا فى دور الثمانية.
نقلا عن المصري اليوم