بمناسبة إنجيل البركة (الأحد الخامس من بؤونة):
القمص يوحنا نصيف
جميع القديسين كانوا يقدِّرون قيمة البركة الإلهيّة ويجاهدون بكلّ طاقتهم لكي ينالوها.. كانوا يبحثون عنها، ويحرصون على التزوُّد بها باستمرار.. يلتمسونها في الصلاة وسماع كلمة الله والتمتُّع بأسرار الكنيسة.. يسعون وراءها من خلال مساعدة الآخَرين، والتعب في خدمة الرب..
بعضهم وجدها في الهدوء والوحدة والصلوات العميقة، وبعضهم في الاهتمام بالفقراء والمرضي والمتألمين، وبعضهم وجدها في الارتباط بالقدّيسين ودراسة سيرتهم وخبراتهم، وبعضهم وجدها في استخدام مواهبهم في خدمة الكنيسة وتسديد احتياجاتها.. وبعضهم وجدوها في طاعة وصايا الإنجيل.. وآخَرون وجدوها في التلمذة الروحيّة باتضاع القلب والارتواء بالتعاليم الروحيّة..
القديسون كانوا يشعرون دائمًا بفقرهم الشخصي، واحتياجهم المستمرّ للتزوُّد بالبركة الإلهيّة..
إبراهيم أب الآباء التمسَ البركة في طاعة الدعوة الإلهيّة، والخروج وراء الله.. وسعى إليها أيضًا في كرم الضيافة، فاستحقّ أن يستضيف الله مع ملائكته.. ووجدها بغِنى في تسليم حياته وكلّ ما له لله، حتّى أنّه لم يتردّد في تقديم ابنه الحبيب إسحق محرقةً لله حينما طلب منه ذلك.. فجعله الله بركة للعالم كلّه..
يعقوب جاهد ليلة طويلة مُصمّمًا أن ينال البركة من الله، وصارع معه بكلّ قوّته حتّى الفجر، ولم يتركه حتّى فاز بالبركة والاسم الجديد (تك32)..!
المرأة الشونميّة كانت حريصة أن تأخُذ بركة رجل الله أليشع، وتستضيفه في كلّ مرّة كان يمرّ على قريتها.. وكانت تفرح بحضوره، وتخدمه باتّضاع قلب، وتتتلمذ على تعاليمه.. لدرجة أنّها أقنعت زوجها ببناء علّيّة خاصّة فوق منزلهما ليمكث فيها أليشع النبي مع تلميذه، كلّما يمرّان عليهما.. وقد كافأها الله ببركات روحيّة وماديّة أيضًا، فأعطاها نسلاً، وعندما مات ابنها أقامه أليشع من الموت (2مل4)..
التلاميذ جَدُّوا في طلب البركة، من خلال طاعة المسيح بإيمان، والعمل معه بكلّ تفانٍ.. فصاروا بركة لكلّ العالم..
مريم ومرثا ولعازر كانوا يلتمسون البركة دائمًا بدعوة الرب يسوع إلى بيتهم المتواضع، وكان الرب يشعر بمحبّتهم للبركة واستقامة قلوبهم، فكان يزورهم كثيرًا ويمكث عندهم، فصار منزلهم مركزًا مباركًا للخدمة في قريتهم "بيت عنيا".. وكانت مريم أكثرهم عطشًا للبركة؛ فكانت تجلس عند قدميّ الرب لتسمع كلامه المُحيي، وتنسى نفسها عند قدميه، إذ قد وجدت النصيب الصالح الذي لا يُنزع من الإنسان (لو10)..
القديسونكانوا يطلبون بركة الرب لحياتهم باستمرار.. ويسألون أيضًا البركة للجميع، فصاروا بركة لجيلهم ولكلّ الأجيال..!
ما أحوجنا أن نكون مثل آبائنا القدّيسين.. نلتمس البركة في كلّ الأمور، وننتهز كلّ الفرص لكي نتزوّد بالبركة..
البركات الإلهيّة في متناول إيدينا، ولكنّنا أحيانا نكون منشغلين ومضطربين في أمور كثيرة وصراعات عديدة.. مثل مرثا التي بدلاً من التركيز على شخص المسيح، ضيفها الإلهي، كانت مشغولة عنه وتشكو أختها التي تركتها تخدم بمفردها.. في حين أنّ مريم كانت تدرك أنّ تركيزها على المسيح هو أعظم عمل يمكن أن يجلب لها البركة، ولا يصحّ أن تنشغل بشيء آخَر، حتّى بأن تدافع عن نفسها.. فاستحقت أن يمتدحها الربّ يسوع على سلوكها، ويباركها، ويدافع عنها..!
بوجه عام، الانشغال بالسلبيات، والبحث عن أخطاء الآخرين، وانتقاد الناس.. يستنزف طاقاتنا، ويحرمنا من التزوُّد بنصيبنا اليومي من البركات الإلهيّة التي يدّخرها لنا الله أو يضعها في طريقنا..!
عندما يعطي الله، فإنّه يعطي ينبوعًا (يو4، 7)، وليس فقط كمّيّة بسيطة من المياه لإرواء مؤقّت للعطش.. بمعنى أنّ الذي يلتمس البركة، ليس فقط ينال البركة بسخاء من الله، بل يصير هو نفسه ينبوعَ بركةٍ للآخرين.. وهكذا كان كلّ أناس الله القديسين..!
طوبي للإنسان الباحث عن البركة..!