بقلم: أندرو اشعياء
وإذ بي دون أن أدرى ما الذي حثني على التمشي في هذه المنطقة وقفت أمام بيت تخرج منه صرخات لأمٍ. فدفعني الفضول لأسأل، فأجابوني: «إن العجوز العاقر تلد!» فهممت لأن أدخل واسلم على الشيخ زكريا، وأعرض عليه إن كان يطلب شئ..
وبالفعل، دخلت بهدوء حيث يسهر الجميع في هذه الليلة، وحيث تُسمَع أصوات غريبة لنساء دُعين للمساعدة، وقفت فتاه بهية الطلعه وديعة المنظر عميقه كعميق البحر وهادئه كسكون ليالي الربيع الدافئه. عرفت أن أسمها مريم، وهي تسهر على كلّ شيء بلطف وابتسامة. إنّها تصلّي، عندما لا يطلبها أحد لأمر أو لآخر تختلي للصلاة.
انها في الحجرة التي يجتمعون فيها دائماً للأكل والعمل. زكريّا معها، وهو يتنهّد ويَدور قَلِقاً. يصلّيان معاً، ثمّ تستمرّ هي بالصلاة حتى في الوقت الذي يتعب فيه العجوز، فيأخذ كرسيّاً ويجلس قرب الطاولة صامتًا وحالمًا، وهي تصلّي. وعندما تراه مُستغرقًا في النوم واضعًا رأسه على ذراعيه المتصالبتين والمستندتين إلى الطاولة، تنزع حذاءها لكي تُقلّل قدر الإمكان مِن الجَلَبَة وتمشي حافية. فكان الصوت الذي تُحدِثه أقلّ مِن صوت فراشة تطير في غرفة.
تأخذ معطف زكريّا وتغطّيه به بكلّ لطف، حتى إنّه استمرّ في النوم في حرارة الصوف التي تحميه مِن برودة الليل التي تَدخُل على شكل هبّات مِن الباب المفتوح في أغلب الأحيان. ثمّ تعود لتصلّي. وعندما تعلو صيحات الوِلادة عند اليصابات تَركَع وتَفتَح ذراعيها وتصلّي بحرارة أكبر. ثم بعدها تدخل حيث اليصابات..
تأخذ مريم اليدين المجعّدتين والمنتفختين اللتان لأليصابات وتضعهما على بطنها المستدير وتُمسِك بهما بشدّة بين يديها المصقلتين والخفيفتين. والآن وقد بقيتا وحدهما تتكلّم بهدوء «يسوع هنا .. يسمع ويُدرِك. ثقي أليصابات. إنّ قلبه القدّوس يَخفق بقوّة أكبر لأنّه يعمل في هذه اللحظة لخيركِ. أسمَعهُ يَخفق كما لو كنتُ أُمسِكه بين يديّ. إنّي أُدرِك الكلمات التي يقولها لي الطفل مِن خلال هذا الخَفَقان. يقول لي في هذه اللحظة: "قولي للمرأة بألّا تخاف. قَدْر قليل مِن الألم بعد. ثمّ عند شروق الشمس، وسط زهرات كثيرات تنتظر هذا الشعاع الصباحيّ لتتفتّح على أعوادها ستكون في بيتها الزهرة الأجمل ..
تبقى مريم على هذا الوضع بعض الوقت لأنّه كان يبدو لها أنّ الألم يخفّ، يتلاشى ويَسكن. تشير للجميع بأن يمكثوا هادئين، وتبقى واقفة، بيضاء وجميلة للغاية في شعاع مصباح الزيت الضعيف، مِثل ملاك يسهر على الألم. إنّها تصلّي. أراها تُحرّك شفتيها. حتى لو لم أكن أراهما تتحرّكان كنتُ سأُدرِك أنّها تصلّي مِن خلال التعبير عن النشوة والانخطاف البادي على وجهها.
يمرّ بعض الوقت، يستيقظ العجوز ويُلقي نظرة دهشة كما لو أنّه لم يتذكّر جيّداً لماذا هو هنا. ثمّ يتذكّر ويقوم بحركة تعجّب بصوت حلقوميّ. ثمّ يَكتُب «ألم يولد بعد؟»
تأخذ مريم بيد العجوز وتُطمئِنه: «عند الفجر، بعد قليل، سيولَد الطفل. كلّ شيء سيكون على ما يرام. أليصابات قويّة. كم سيكون جميلاً هذا اليوم -فالنهار سيبزغ بعد قليل- الذي فيه سيرى ابنكَ النور! أجمل يوم في حياتكَ! إنّها نِعَم عظيمة يحفظها الله لكَ، وابنكَ هو البشير بذلك.»
يَزرَع زكريّا المكان جيئة وذهاباً، بعصبيّة، يذهب ويعود عبر الحديقة. تَنظُر إليه مريم بإشفاق. ثمّ تعود لتَدخُل مِن جديد إلى نفس الحجرة. تركع وتصلّي مِن صميم قلبها، ذلك أنّ أنّات التي في الفراش قد أصبَحَت أكثر حدّة. وتنحني إلى الأرض لتصلّي إلى الأزليّ. يَدخُل زكريّا فيراها ساجدة هكذا فيبكي، مسكين هو هذا العجوز. تَنهَض مريم مِن جديد وتأخذه بيده. تبدو وكأنّها أُمّ لهذه الشيخوخة الـمُنعَزِلة، تَسكب عليها السلوان.
يَظلّان هكذا، الواحد قرب الآخر تحت الشمس التي تُضفي على جو الصباح لون الورد، إلى أن يَرِدهُما النبأ السعيد: «لقد وُلِد! لقد وُلِد! إنّه صبيّ! يا لكَ مِن أب سعيد! إنّه صبيّ نديّ مثل الوردة، جميل مثل الشمس، قويّ، شديد، وعذب مثل أُمّه. لكَ الفرح أيّها الأب المبارك مِن الربّ لأنّه قد وُلِدَ لك ابن تُقدِّمه إلى هيكله. المجد لله الذي مَنَحَ الذريّة لهذا البيت! البركة لكَ ولابنكَ المولود مِن صُلبكَ! ولتتمكّن ذرّيته مِن ديمومة اسمكَ إلى أجيال وأجيال عبر الأنسال، ولتُحافِظ على الاتّحاد بالربّ الأزليّ.»
فتكلم الشيخ وقال: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ... وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ»