حمدي رزق
فالأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائى بغيضًا أو عاتيًا، أو كان متصلًا بأفعال لا يسوغ تجريمها، أو مجافيًا بصورة ظاهرة للحدود التى يكون معها متناسبًا مع خطورة الأفعال التى أثّمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده، ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافًا.

فُرض الحبس الاحتياطى لأسباب احترازية، أخطرها الإرهاب ومخلفاته التى زُرعت فى الأرض الطيبة كألغام مفخخة، وزال خطر الإرهاب بتضحيات جسام، زال السبب المسبب، وعليه وجب رفع ما ترتب عليه من احترازات لا محل لها من الإعراب قانونيًّا.

أن يأتى متأخرًا خير من ألا يأتى أبدًا، حسنًا حضر مجلس أمناء (الحوار الوطنى) فى ملف الحبس الاحتياطى، بالسوابق يُعرفون، إذا توفّر المؤتمنون على ملف أنجزوه، ووضعوه فى صورته المثلى أمام القيادة السياسية.

والمطلوب شجاعة الدخول على الملف الملغوم، شجاعة الدخول على ملفات شائكة فى البنية الأساسية السياسية، الدخول بمقترح قانونى (مشروع قانون) يشارك فى مدخلاته ومخرجاته المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية المعنية بهذا الملف، يجتمعون بنوايا سياسية صافية، وبرغبة وطنية أكيدة على إزالة لغم الحبس الاحتياطى من تحت أقدامنا.

ولدينا وعد بالتنفيذ الرئاسى لمخرجات الحوار وعاجلًا.. هكذا وعد الرئيس السيسى فى محفل عام.. وحدث أن اعتمد سيادته مخرجات الحوار الوطنى فى ملفات عدة بشجاعة يُشكر عليها.

السوابق الرئاسية تؤشر على قبول ما هو مقترح ويُقترح، وتبرهن عليها مبادرة العفو الرئاسية، ومتوالية الإفراجات التى تُنشر أخبارها تباعًا، نحو ١٤٠٠ سجين خرجوا وفق المبادرة وعبر قنوات الحوار الوطنى.

الدخول على ملف الحبس الاحتياطى ووضعه على رأس جدول الأعمال (السبت المقبل) سيكون من حسنات «الحوار الوطنى»، ولو أنجز المؤتمنون فى هذا الملف ما تقر به الأعين المشتاقة إلى سعة فى الحريات، وعاجلًا ليس آجلًا، لكان فى ميزان حسناتهم السياسية.

يُحسنون لمَن مسّهم الحبس الاحتياطى بِضُرٍّ، ولا يزالون تحت ربقته قابعين فى السجون (احتياطيًّا)، تطول مدة حبسهم أو تقصر وهم على هذه الحالة، كـ«البيت الوقف»، لا هو مدان ويقضى عقوبته، ولا هو برىء يخرج إلى نور الشمس.

وفى هذا تُروى حكايات مريرة، وقصص محزنة تتغذى عليها المنصات الإعلامية والإلكترونية المعادية، وتُمررها إلى منظمات حقوق الإنسان خارج الحدود المتربصة بالحالة الحقوقية الوطنية، لتدبج تقارير سوداء عن حالة حقوق الإنسان فى مصر.

ويُحسنون للدولة المصرية، فكل تقارير المنظمات الحقوقية لا تخلو من حديث عن الحبس الاحتياطى، وطول المدة، وتتابع التجديدات، يظل ملف «السجن الاحتياطى» مثل «كعب أخيل» تنفذ منه سهام مسمومة تسمم أجواء الانفتاح السياسى المرتجى.

ما هو مطلوب ليس بعسير ولا بكثير، مطلوب مشروع قانون معتبر، بضوابط حاكمة تغل يد المسرفين فى تطبيق هذا النص القانونى، يدفع به عاجلًا إلى مجلس النواب بهدف تغيير مواده التى تحدد مسبباته ومدده، ما يضمن حقوق المحبوسين احتياطيًّا، ويضمن التنفيذ الأمثل للعقوبة.

التجويد القانونى الحاكم للحبس الاحتياطى بمثابة تطبيق نموذجى للاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان، والتى تم إطلاقها بإرادة وطنية خالصة النوايا، فرصة سنحت لتجليس منظومة قانونية يؤطرها الدستور المصرى، وتطبيقًا لمواده الحادبة على الحريات، خلاصة القول مصر تستحق أفضل من هذا القانون.
نقلا عن المصرى اليوم