القمص يوحنا نصيف

العَثرة هي أن يتعثّر الإنسان، أو يسقُط، أو تتوقّف مسيرته.. وقد حذّر الربّ من خطورة أن يكون الإنسان عثرةً للآخرين، بل قال أنّ الأفضل أن يموت الإنسان ولا أن يتسبّب في تَعَثُّر أحدٍ (مت18: 6).
 
* أنواع العثرات:
 قد تكون العثرات داخليّة أو خارجيّة...
 + العثرة الداخليّة هي أن يكون الإنسان متعثِّرًا في خطيّته، أي يكون ساقطًا تحت نِير خطايا مثل الكراهية أو النجاسة أو الكبرياء.. ولعلّ هذا ما قصده الربّ يسوع عندما أوصانا باستئصال العثرة من حياتنا بقوله: إن أعثرت يدك أو رجلك اقطعها.. إن أعثرتك عينك اقلعها (مت5: 29-30، مت18: 8-9).. بمعنى استئصال الخطيّة من أعضائنا..
    + أمّا العثرة الخارجيّة فهي أن يكون الإنسان سببًا في عثرة الآخرين، نتيجة سلوك سيّئ أو قيادتهم في طريق خاطئ.. وعمومًا فإنّ المُتعثِّر من الداخل يكون أيضًا مُعثِرًا من الخارج، بصورة أو بأخرى.. أمّا المنتصر من الداخل فهو يكون سببَ بركةٍ لإخوته، كما يعلّمنا القدّيس يوحنّا: "من يحبّ أخاه يثبت في النور، وليس فيه عثرة" (1يو2: 10).
 
* سبعة أسباب تجلِب العثرة:
1- الاهتمام بالمظاهر والكرامة الشخصيّة.. وهذا يجعل الإنسان يحاول تعظيم ذاته، وبالتالي يرفض الطريق الضيّق ويهرب من الصليب.. كما اعترض القديس بطرس على السيّد المسيح، عندما تحدّث عن ضرورة خوضه الآلام والصليب، وقال له: حاشاك يارب. ولكنّ السيّد ردّ عليه بشكل قاطع قائلاً: "اذهب عنّي يا شيطان، أنت معثرةٌ لي، لأنّك لا تهتمّ بما لله، بل بما للناس" (مت16: 23).
 
2- إساءة استخدام السُّلطة.. فالبعض بسبب منصبهم، أو بسبب قوّة شخصيّتهم، أو بسبب مجازفتهم غير الحكيمة، لا ينتبهون لتصرّفاتهم أو كلماتهم، فيستخدمون القسوة أحيانًا في الحكم على الآخَرين أو في التعامُل بوجه عام، وبالتالي يَتعَب منهم البعض.. لذلك يوصينا الإنجيل: "انظروا لئلاّ يصير سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء" (1كو8: 9).
 
 3- القدوة الغائبة.. إذ يكون نور المسيح غير ظاهر في حياتنا، على الرغم من وجودنا في الكنيسة وأحيانا في الخدمة أو في رتبة كهنوتيّة.. لذلك يوصينا الروح القدس على فم الرسول بولس: "كُن قدوة للمؤمنين، في الكلام، في التصرّف، في المحبّة، في الروح، في الإيمان في الطهارة" (1تي4: 12).
   4- التَسَيُّب في الكنيسة.. وهذا ما حذّر منه الربّ يسوع ملاك كنيسة ثياتيرا، الذي كان يُسَيِّب امرأةً تُغوِي أولاد الله لكي يرتكبوا خطايا نجسة (رؤ2: 20). فهذا وضع خطير يلزم إيقافه فورًا.
 
 5- الحياة بوجهين، وهو ما يُسمّى بالازدواجيّة، أي نعيش بأكثر من شخصيّة، فتتغيّر تصرّفاتنا بحسب المكان، أو بحسب وجود أحدٍ يرانا.. ولعلّ المثال الذي ينبغي أن نضعه أمامنا لتفادي مثل تلك العثرة هو القدّيس بولس الرسول، الذي قال: "أدرّب نفسي ليكون لي دائمًا ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس" (أع24: 16)، وأيضًا يوصينا: "كونوا بلا عثرة، لليهود ولليونانيّين ولكنيسة الله" (1كو 10: 32).
 
 6- الجهل.. وهو أشرّ الخطايا، كما يقول ق. كليمنضس السكندري.. فهو يجعل الإنسان يتخبّط في الظلام، ويَتَصَرّف بدون تمييز، وأحيانًا يكون كمَن يُلاكِم الهواء (1كو9: 26)، ويُوَجِّه سهامه في اتجاهات خاطئة، وهو يجهل ما يقول وما يفعل، وبالتالي يكون عثرةً، وسببَ تشويش لكثيرين..
 
   7- ضعف الوعي الروحي، وعدم إدراك أنّنا سفراء المسيح، وخُدّامه، وشهوده وسط العالم.. لذلك يوصينا ق. بولس الرسول: "لَسْنَا نَجْعَلُ عَثْرَةً فِي شَيْءٍ لِئَلاَّ تُلاَمَ الْخِدْمَةُ. بلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ: في صبر كثير..." (2كو6: 3-10).
 
    الربّ يحمينا من العثرات، ويُبعِد عَنّا التشويش والأهواء.. ويهبنا ضميرًا صالِحًا، لكي نُمَيِّز الأمور المتخالِفة، فنكون مُخلِصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح (في1: 10).
"اختبرني يا الله واعرِف قلبي.
امتحِنِّي واعرِف أفكاري.
وانظُر إن كان فيّ طريق باطل،
واهدِني طريقًا أبديًّا." (مز139: 23-24).