حمدى رزق

قال: بلى ولكن ليطمئن قلبى..

يلزم التوقف والتبين، توقفًا أمام مقولات رائجة تقول بـ«مخطط استلاب القوى الناعمة المصرية» (الثقافية تحديدًا)، ومستهدفات المخطط المرسوم، وتبينًا لقدرات مصر الثقافية العصية على الاستلاب.

تبينًا لموقع مصر الثقافى فى محيطها العربى، وحول العالم، فى قلب العالم، قلب الثقافة العربية النابض، حقيقة لا سبيل لإنكارها، لا تعبر بالمطلق عن شوفينية ثقافية بغيضة، تواضعًا ليس تعاليًا، إقرار بواقع ثقافى يقره المثقفون على اختلاف مشاربهم الثقافية.

 

القاهرة ثقافيًّا تقارن بمثيلاتها عالميًّا، بـ(باريس.. روما) عاصمة ثقافية ليست عادية، استثنائية، مصدر رئيس للمنتوجات الثقافية، آداب (شعر، نثر، قصص، رواية، مسرح، ونقد)، وفنون، (سينما، مسرح، موسيقى، غناء، ومتاحف). القاهرة حالة ثقافية مشعة، من العواصم المنيرة ثقافيًّا.

 

وتوقفًا أمام مخطط الاستلاب الرائج فى الأقبية المسحورة، جد خطير فى تجلياته، استلاب موقع القاهرة الثقافى من الخارطة الثقافية، كعاصمة طبيعية للثقافة العربية، بإغراء جواهر التاج بمغريات يسيل لها اللعاب، والاستحواذ على مواهبها (تجنيسًا).

 

صحيح تمامًا، القاهرة غنية ثقافيًّا، ولّادة، لا ينقطع نسلها من المواهب، ولكن كما يقول المثل الشعبى: «خد من التل يختل»، وتصدير الثقافة (كدور ثقافى تاريخى) لا يترجم استلابها عنوة، القاهرة تصدر ثقافتها بأريحية، واستدامة لدور ثقافى، يعزز المكانة المستحقة، والقول المشهور: «القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ» لا يزال صالحًا فى العصر الرقمى.

 

القلق على المكانة المستحقة والدور التاريخى مشروع، وهم من هموم المؤتمنين على قوة مصر الناعمة، ومستوجب العض بالنواجذ على جواهر التاج الثقافية، واستثمارها وطنيًّا فى مشروع ثقافى بآليات عصرية تستشرف مستقبلًا ثقافيًّا واعدًا

 

ما يطمئننا على «مستقبل الثقافة فى الجمهورية الجديدة»، فضلًا عن كنز الثقافة المصرية الثمين، دأب المؤتمنين على مستقبل الثقافة المصرية على تنمية آبار الثقافة الوطنية، واحتياطياتها المركوزة، الثقافة المصرية لا تنضب، ونهر الثقافة جارٍ كما نهر النيل منذ الأزل.

 

الثقافة العالمية تمر بمرحلة تتلاطم فيها الأمواج الثقافية، ما يسمى عولمة الثقافة، أو ثقافة بلا حدود، ثقافة عابرة للحدود، ما يستوجب رفد النهر بماء متجدد، تجدد النهر الثقافى، بجديد عصرى وبما لا يمس جوهر الثقافة الوطنية.

 

سلسلة المتاحف الجديدة، ودرتها المتحف الكبير، أعظم متاحف العالم، مدينة الفنون والثقافة العالمية بالعاصمة الإدارية الجديدة، مدينة خيالية على مساحة (١٢٧ فدانًا) تستحق لقب الأجمل عالميًّا، تستوعب ألوانًا من الفنون والاستعراضات والاحتفالات على مدار العام.

 

المدينة (كنموذج ومثال)، فحسب تحتاج إلى عقلية احترافية تتوفر على حالة فنية ثقافية باهرة تلفت أنظار العالم، وتستقطب نجوم الفن والغناء مصريًّا وعربيًّا وعالميًّا، هى موئل للفنون والثقافات العربية والعالمية.

 

مطلوب تحرير الثقافة المصرية، نرجوها متحررة من ربقة العقول السلفية، والبيروقراطية، والأمراض الوظيفية المزمنة والسارية.

 

ثقافة العصر الرقمى تلزمها خلية شبابية احترافية متحررة إبداعيًا، لا ترتهن أبدًا بالنسق الإدارى الذى يقتل الإبداع فى مهده، ويخنق روحه، ويكومه بجانب الحائط ركامًا.

 

مطلوب مثقفون من الصنف الفاخر يديرون منظومة فنية ثقافية بامتياز واحترافية، ولن تعدم مصر مثل هذه النوعية الفاخرة من المثقفين العظام الذين يتمنون خدمة تراب الوطن.

 

 

(أعلاه نسخة منقحة من مقالى على الصفحة الأخيرة فى مجلة «الهلال» العريقة، عدد مايو الماضى)، أنشره مجددًا، علَّ الرسالة تصل، والرسالة بعلم الوصول.

نقلا عن المصرى اليوم