بقلم: أندرو اشعياء
«انتهت الزيارة» قالها الرجل بصوت خشن أجش فيه انتهار وصرامة وتوعد، صوت يحمل اليَّ مع هزاته موجه مِن الحزن المُفرط، والوجع الرهين حتى الزيارة المُقبلة.. لقد قالها ويدي تمسك يدي السجين، ولساني يتعلثم بحروف تفيد أماني اللقاء، واحلام تلوح وتتكاثف في افق قلبي، وكلها أحلام منوطه بخروجه من هذا السجن اللعين، أو قُلْ أن احلامي لم تعد سوى «خروجه.. انطلاقي.. أن نتحرر سويًا».
وللوقت أتماسك قليلًا وأردف أنني قد نسيت أمر ما، وأقول له في لهفة مُصطنعة أن سيادة «المأمور» وعدني بزيارة استثنائية وسيتم تحديدها في أقرب وقت بخلاف موعد الزيارة المعتادة..
ثم أخرج مُفكرًا متى تنتهي زيارة هذه الظروف الجثيمة لي، ومتى تنتهي زيارة الدموع لعيني كثيرًا قبل وبعد واثناء الزيارة، ألم يحن ويحنو عليَّ الزمان بوقف هذه الزيارات..
وسريعًا يجول فكري في كم زيارات النعمة التي أطرقت على بابي هذه المدة، وأفكر بالأكثر في عناية الله بنا، إن عنايته لهي «زيارة دائمة» وأنا لأ أهتم بها، أي لا أعير الزيارة «العناية» إهتمامًا! وكضيفٍ عندي اعتدت عليه فلم أبادله الحديث او الشكر!!
وهنا يحمل فكري طائرة خاصة ليجول في زيارات مُفكرًا مُتأملًا عن كم وكم مِن شعوب وأناس زارتهم مآسي الحروب والصراعات، وحملت منهم أغلى سنيهم، وأثمن جواهرهم «أطفالهم وأحلامهم».. وكم وكم مَن زارهم «تيه الإنشغال والكسل» وأخذ كثيرًا مِن زمن أعمارهم، وكم مِن أناس زارتهم النعمة وأهملوها، وكم ما ناله ابراهيم مِن نعمة حين زاره الله وملائكته، وما أندى الأتون حين زار الله فيه الثلاث فتية، وكم مِن آلام طعنت بقسوة قلب الرسل في كرازتهم، ولكنهم تنحوا في سكينة وصبر عنها مُحدّقين للهدف ونقاوة السيرة.
لقد سمعت أحدهم يقول «لقد زرنا مستشفى 57» وغيره أردف: «زُرنا معقل الصلاة في محراب الألم» هذه نظرة وهذه نظرة والزيارة واحدة. وأتذكر أن أحد الرهبان قال مرة حين سألته عن سبب عدم اختلاطه بأحد، أجاب: «أنا هنا زائرًا خفيف الظل أتعلل بنسيم زيارات النعمة». وقرأت عن القديس ارسانيوس الذي كلما زاروه لاذ بالصمت، وكأنه عهد الصمت زائرًا له وعليه، وإكتفى به في رحلة امتلائه. وعن القديس الأنبا موسى الذي أتقن إضافة الزائرين، وأطلقهم إلى لذه نعيم الوجود مع الله. وعن نيقوديموس الذي زار الله ليلًا، وعن زكا الذي زاره الله في بيته، وعن بطرس الذي زاره «الإنكار» وبنعمة جزيلة تحرر من السقوط في يأسه، وعن يهوذا الذي لاذ بالخيانة والسقوط زائرًا ولم يفلت منه، بل انجذب إليه!!
نحن عندما نزور مكان أو أحد علينا أن نحترم إياه، وها نحن في زيارة.. في غربة.. نزور الأرض! أرأيت انسان يزور أحدهم وعنده يحزن أو يكتئب؟! بالطبع لا، وإن فعل فهذا من غير المعتاد بأداب الزيارة. حقًا لقد فهمت الآن معنى «إفرحوا في الرب كل حين، وأقو أيضًا إفرحوا» نحن علينا ألا نحزن.. ألا نهتم «نحمل الهمّ».. إن نسمة الحياة لهي زيارة في الجسد، وعليه (الأخير) أن يُحسن إضافة الروح، ويعتلى به حيث يرنو ويشتاق لمكان عودته. وأخيرًا، أنت يا عزيزي إن كانت كلماتي زائرًا ثقيلًا عليك فإسمح الآن أن أعتذر إذ حان الوقت و « انتهت الزيارة»..