كمال زاخر
الثلاثاء ٩ يوليو ٢٠٢٤
التسليم أو التقليد هو ما تواتر عن الكنيسة الأولى ومن مفردات حياتها فى المسيح ومعه، بمعنى ترجمة ايمانهم على يومهم، وهو ما يسمى فى عصرنا التلمذة، التى من خلالها تنتقل خبرات الأجيال. تتابعا، وتراكم عليها، والذى يحميها من الشطط هو المعيار الكتابى الذى وثق لنا اساسيات ومحاور تعليم رب المجد، والقدر اليسير من ترتيب الكنيسة الأولى فى عصر الرسل والموثق فى سفر اعمال الرسل سجل يوميات الكنيسة والممتد حتى اليوم وحتى مجيئ الرب ثانية.
والكتب المقذسة - خاصة فى العهد الجديد - كيف وصلت الينا ولماذا هى بالذات التى اعتمدها المؤمنون؟، ولما رُفضت كتابات كثيرة رغم الصاقها بأسماء تعد أعمدة بالكنيسة الأولى؛ انجيل مريم، انجيل توما، انجيل بطرس ،... وغيرها الكثير؟، ببساطة شديدة وفى غير اخلال بعلوم الكتاب المقدس، كان معيار قانونيتها، قياسها على ما وقر فى ذهن وعقل شهود الكنيسة الاولى والتى اسمها ق. لوقا (الأمور المتيقنة عندنا)، وكانت افتتاحية انجيله توجز قضية التسليم (التقليد) هنا
"إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا،
كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ،
رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ".
التسليم لفظاً هو ما يسلمه طرف الى طرف أخر، وهو فى دائرة الكنيسة تسليم خبرة ايمان جيل سابق الى جيل لاحق، وهو ليس تسليما عشوائياً بل يقاس على ما استقر فى الكنيسة الأولى - كنيسة الرسل - ومعياره فى حده الأدنى ما وثقته الاناجيل ورسائل الرسل.
فصحة التسليم اذن فى تأكيده لمحبة الثالوث التى تجلت فى التجسد والفداء والمصالحة التى بها رد آدم الى رتبته الأولى قبل السقوط. وما الطقوس والترتيبات الطقسية للعبادة إلا تجليات لهذا.
فاذا اُغتصِب مجد المسيح واعطى لغيره فلا يمكن ان يعتمد تسليماً صحيحاً مهما تواتر بين الأجيال، ولا يكتسب قانونيته بطول زمنه او بلغة أهل القانون "بالتقادم".
قس على ذلك ما حدث فى ترتيبات استقبال الرتب الكنسية العليا، وفى مظاهر التعظيم لها، والسلطات المطلقة لهم، والتعسف فى حق الحِل والربط، الذى اساسه رد الخاطئ عن طريق ضلاله، وليس اعتماده سيفاً على رقاب من لا يروقون لهم.
وما يصدمك الترويج لكرنفال الملابس الكهنوتية باعتباره تسليما أو تقليداً، وهى مفارقة لروح العبادة وذائقة الاتضاع.
وهذا يدعونا لتصحيح ما وقر فى ذهننا، بشأن تكريم القديسين، وهم يستحقون التكريم كعلامات مضيئة تنير لنا الطريق الى معرفة المسيح، أزمتنا فى احتلالهم لمكان رب المجد، حتى كدنا ان ننزلق الى الصنمية، وعلامة هذا تلك الانابيب التى تزاحم وجود المسيح فى بيته، سجوداً وتضرعاً، وأى محاولة لمراجعة موضوعية تواجه بقائمة اتهامات ممتدة تشكك فى ارثوذكسية المطالب بها. والسند هو ما يحسب تسليماً.
التقليد الكنسى وفض اشتباك الأفيال
فى تقديرى أن التقليد، بحسب ما ذكرنا، هو مراكمة خبرات كنيسة تعيش المسيح، وتعلنه فيها باعتبارها عمود الحق وقاعدته، والمسيح هو الحق، بحسب تعريفه لنفسه.
وظنى ان صحة التقليد تقاس بقدرته على ترجمة الحياة فى المسيح الى فعل وديمومة. أزمتنا بغير تعميم وبغير تخصيص هى فى ضبابية معرفتنا للمسيح بعد كل هذا الزمان؛ وربما نكون امتداداً لفيلبس الذى لم يدرك ماهية الرب يسوع واعلانه للآب، واظن ان سؤال أو قل عتاب المسيح له موجه الينا، "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ!"
نحن بحاجة الى مراجعة مواجهاتنا لبعض فى اجتزاء للتاريخ أو احيانا انكاره، وبحاجة الى الانتباه ان شخص المسيح وتجسده وعمله الفدائى لم تعد - عند كثيرين - على قائمة تعاليمهم او على الاقل فى اولوياته، وكثير من عباداتنا الطقسية صارت منزوعة الروح والدسم.
والسؤال لماذا كل هذا الإتلاف؟!
الا يستحق الأمر مزيد من التحرك نحو حوار جاد جسور لا يخشى خفافيش الظلام ومؤامراتهم؟ ويقاوم حراك اصحاب المصالح - الساذجة - المرتهن بقائها ببقاء الامر على ما هو عليه؟.