القمص يوحنا نصيف
    باب القلب مفتوح ليدخله الناس، كلّ الناس كما هم في تعبهم وتذمّرهم وشكواهم وطلب الخِدمة.

    القلب المفتوح لا يخافُ ولا يَرُدُّ أحدًا. لكلّ إنسانٍ الحقّ أن يَقرَعَ بابَ القلبِ وأنْ يَدفَأ فيه ليحسّ أنّه مقبول، مهذّبًا كان أم شرسًا في البدء. وإذا رأى نفسه مَحضونًا يخسر شراسته.

    قد لا تستطيع أن تلبِّي كلّ حاجة تُطلَب منك، ولكنّ الحاجة الأُولى عند كلٍّ منّا العاطفة من الأخوة الصادقين.

    يأتيك مَن يبكي عندك. ابكِ مع الباكين وافرح مع الذي يفرح، وعَزِّ المنكسري القلوب فإنّ الروح القدس هو الروح المُعَزِّي كما سمَّاه يسوع في خطبة الوداع، وكما نسمّيه فيما ندعوه عند افتتاح كلّ صلاة.

    أن تُعَزِّي لا يعني أن تُساير أو أن تُغَنِّج. أحيانًا يحتاج مُكَلِّمك إلى كلامٍ تقسوه فيه ولكنّه يحسّ -إن كنتَ مُحِبًّا- أنّك لا تجرحه ولا تهزأ به ولا تُهمِله.
إذا كان عندك اليسير وطُلِبَ إليك العون فأَعطِهِ اليسير ويعرف أنك صادق. ودائمًا يمكن أن تعطيه حضورك. وإذا كان لك معونة أو كان لك سلطان وأمكنتك الوساطة فلا تبخل بشيء، لأنّنا جميعًا إخوة في هذا الذي أحبنا حتى الموت.

    لا تحاكم أحدًا على نياته. أنت لا تعرف النيّة. خيرٌ لك أن تكون مغشوشًا من أن تظلم أحدًا. "الله فاحص الكلى والقلوب". أنت غير قادر أن تفحص القلوب. لا تظنّ أنّك مُفرِطُ الذكاء ففي هذا كبرياء. استمع إلى الحاجة وكُنْ بريئًا في الاستماع، ولَبِّ الحاجة إن استطعتَ لأنّك تكون قد أقرضتَ الله. والمسيح يتّخذُ وَجهَ المحتاج، فإذا خدَمتَ صاحب الحاجة تكون خادمًا للمسيح.

    هذا لا يعني أنّ السذاجة شرطٌ من شروط البراءة. ولكنّ الإفراط في التَفَذلُك ليس شرطًا من شروط الذكاء.

    فَتِّق المواهب عند الآخرين. هي في كثرة الأحوال محبوسةٌ لأنّ أحدًا لم يحبّهم. أحببْ تَرَ الناسَ يقترفون المعجزات. فالناس يموتون في عُزلةٍ لهم رهيبة. كلّ إنسان يعيش وحده. فقد يكون وحيدًا وله زوجة لا تحبّه. وكثيرًا ما أحسَّت المرأة أنّها مُهمَلة. الناس معظمهم مبعثرون، مُشَتَّتون وليس مَن يصغي إليهم إذا أرادوا أن يبُثُّوا شكواهم وأن يَصِفوا آلامهم.

    هذا يتطلَّب منك أن تخرج من قوقعتك، وأن تلتقي وجه الآخَر. إن لم يكن وجهك إلى الوجوه فإنّه منطفئ وهي بدورها منطفئةٌ، لأنّ واحدًا لم ينظر إليها. وقد يكون الناس في تهييص، ومع ذلك هُم وُحَدَاء، ولا نقضي على عزلتنا بالهيصة. ويظنّ الناس أنّهم يلتقون الناس في عُرسٍ لأنّه أصلاً موسم الفرح، ولكنّهم لا يتلاقون بالضرورة.

    إن كثرة الزينة التي يتزيَّن بها المدعو إلى العُرس إشارة إلى أنّه منعزل.
    الترف هو التعبير الأفصح عن العُزلة.
    الإنفاق الفاحش دليل على عدم الفرح العميق، لأنّ الفرح لا يحتاج لشيءٍ آخَر ليكون. لا يزيد الإنسان شيئًا على الفرح.

    دَعْوَتُنَا أن نتقاسم الفرح لا أن نتقاسَم المسرّات السطحيّة. والفرح في أن تغفر ولا تُعاتِب، لأنّ العِتاب يعني أنّك كنتَ تنتظر شيئًا وخُيِّبَت آمالك.

    لك أن تنتظر صدمات مِمَّن كان الأعزّ لديك. أقرب الناس إليك قد يخونونك. هذا موجِع لا ريبَ في ذلك. ولكن لا تترك الذين صدموك لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون. قد يقصدون إيذاءك لأنّهم تألّموا من الحياة ويطرحون أذاهم في مرماك. تَصَبَّر وادعُ لهم بالرؤية الصافية وبسلام قلوبهم. عاملهم بالحُسنى حتى يفيقوا. هدفك عافيتهم الروحية، وهاجسك أنت أن يُشاهِدوا وجه الله لا وجهك. تريدُ وجوهَهم نَيِّرةً. أُجرتُكَ أنّهم استناروا. أنت تَفرح لشفائهم. إذ ذاك يَرُدُّون لك المحبّة. وأمّا إن قابلتهم بالسوء فتقع معهم في السوء ويبقون هم سجناءه.

    شَرِّعْ (افتح) أبواب النّفس لكلِّ مَن جاءها حتّى تَسمو أنت ويَسموا. هذا هو الملكوت المسكوب عليكم جميعًا.
المطران جورج خضر
6 تشرين الأول (أكتوبر) 1996م

+ + +

* الصور من زيارة المطران جورج للإسكندريّة في يناير 1996م:
بكنيسة مار جرجس سبورتنج مع أبينا القمص تادرس يعقوب - في كنيسة مار مينا فلمنج مع ابينا المتنيّح القس يوحنا حنين - في دير مار مينا، داخل مزار القدّيس البابا كيرلّس السادس، ومع نيافة المتنيّح أنبا مينا آفا مينا رئيس الدير السابق، ومع أبينا القمّص رافائيل آفا مينا داخل قلايته وأمامها، وفي مركز الميكروفيلم بالدير، وأمام كاتدرائيّة مار مينا قبل اكتمال تشطيبها.