شريف يونس
رغم إن فرنسا وانجلترا '>انتخابات فرنسا وانجلترا دلوقت، وانتخابات أمريكا بعدين، ليها تأثيرات أوسع بكتير من البلاد دي لكن التصويت محصور في مواطنين كل بلد لوحده. ف اللي بيقرره أصحاب الحق في الانتخاب بيأثر في حالة فرنسا على الاتحاد الأوربي، وعلى مناطق نفوذ فرنسا. أما تصويت الأمريكان فبيأثر في العالم كله لأن الولايات المتحدة هي القوة الأولى في العالم عسكريا واقتصاديا.
المفارقة دي هي تجلي واحد من تجليات مشكلة أساسية، هي التعارض بين الأفكار العامة اللي بتخاطب كل البشر وانتماء البشر لجماعات معينة لها ثقافات بعينها. صراع الليبراليين والمحافظين في أمريكا، أو صراع القوميين واليساريين والوسط في فرنسا ممكن تصنيفه ضمن تيارات عالمية عامة. لكن الأفكار العامة دي بتاخد شكل خاص في كل بلد لوحده مختلف عن التاني.
هي دي المشكلة اللي بتواجه الأفكار العامة من قبيل الديانات التبشيرية اللي بتخاطب كل البشر، أو الأيديولوجيات الحديثة زي الليبرالية والشيوعية (والاشتراكية). كل فكرة من دول مافيهاش مكان لفكرة التمايز العرقي والثقافي (ديني، قومي، قَبَلي)، وبصفة عامة انقسام البشرية لجماعات متمايزة. الماركسية لأن ليها محتوى نظري دماغها اتكسَّر في محاولة تجاوز التعارض دا. أما الليبرالية فلأن مفيهاش دماغ نظري من الأساس فمحاولتش. لكن الاتنين انتهو لصيغة "براجماتية" هي حق تقرير المصير للشعوب، اللي رفعه في وقت متقارب الشيوعيين والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى.
سواء كان الحل دا مفيد عمليا (في حالات معينة) ومش مفيد عمليا (في حالات تانية)، فهو في النهاية مش بيحل التعارض النظري بين العام والخاص على المستوى السياسي (مبدأ القومية أو العرق أو القبيلة أو الديانة مقابل المبدأ العالمي الموجه للبشر كلهم).
أما الكلام بتاع إن الديمقراطيات مش بتحارب بعضيها ف دا شغل بروباجندا. لأنه فعليا هي بتحارب بعض كل يوم، مش بالضرورة بالسلاح، لكن بكل "الأسلحة السلمية"، زي لما أمريكا خطفت من بق فرنسا لقمة تزويد استراليا بغواصات نووية من سنتين تلاتة كدا. أو لما أمريكا حرضت أوربا على عدم شرا الغاز الروسي بسبب حرب أوكرانيا وباعت لهم هي الغاز بالشيء الفلاني. أو قبل كدا لما بريطانيا زقت فرنسا برا سوريا ولبنان، علشان تيجي أمريكا بعد كدا وتزق بريطانيا برا مصر. (دا طبعا غير سلوك الدول دي كلها اللي مافيهوش ريحة الحرية ولا الديمقراطية مع المستعمرات ومناطق النفوذ، اللي مليان أكوام من أقذر الفضايح، زي حرب الأفيون الأولى والتانية ضد إمبراطورية الصين أوائل القرن العشرين).
وحتى لو رجعنا زمان أكتر، حانلاقي في أوربا القرون الوسطى كل الحكام مسيحيين تبع كنيسة واحدة، لكن دا مامنعش إنهم يهرو بعض حروب. أما في العالم الإسلامي في العصور الوسطى، فالصراع بين العرب والفرس والترك مشهور. كان مرة اسمه الشعوبية، لكن بعد إرهاق الجميع استقر الوضع على إن أي حد سلاحه أقوى يحكم. وحتى اللي أصولهم تركية ومذهبهم سُني حاربو بعض (زي المماليك والعثمانيين). وطبعا المفروض كل دول إخوة في الإسلام وكدا. وحتى في الحروب الصليبية (اسمها في كتابات المسلمين حروب الفرنجة) كان عادي أمير صليبي وأمير مسلم يتحالفو سوا.
المثال الكبير بتاع أخوة البشرية كلها مثال عظيم، وممكن البشرية توصل له في يوم من الأيام. لكن المثال دا مش بس عمره ما كان واقعي بالكامل، لكن كمان هو نفسه منقسم لمذاهب حسب رؤية ماهية الإنسان العام: هل الإنسان في صميم حشاشة أصله ليبرالي ولا مسلم ولا مسيحي ولا شيوعي؟ (الماركسية مختلفة لأن رؤيتها تاريخية، فمش بتتكلم عن الطبيعة الإنسانية، بس دا استثناء).
شريف يونس