( بقلم / أشرف و نيس ) .
✍️ شيء ما يجدد قوانا وينتشل أنفسنا من مقبرة اليأس ، لا نعرف كنه ذلك الشيء ، فهو غير مرئي ، ولا يمت بالمادية بأى صلة ، يتداخل بطريقته الخفية فى داخلنا وخارجنا ، نراه وقد أثَّرَ فى دائرة محيطنا مرارًا و تكرارًا ، فى الوقت الذي لا يغفل فيه أن يعمل فى دائرة أعماقنا و باطننا أيضاً ، يُطلق عليه من تلك الكتب المسماة عرفا عند البشر ب " الكتب السماوية الثلاثة " بأنه الروح القدس أو روح الله القدوس ، له العديد من الألقاب ، كما أن له وافر من الأعمال ، له الكثير من الأماكن فى قلوب البشر بينما يحوي فى أعماقه كل زمان و مكان ، له رقيق صوت نسمعه أحيانا يهمس بل يسري فى أعماق كل منا ، فى الوقت الذى لا يتوانى فيه أن يزلزل بصوته كل كبير من أمامه . يدير كل شيء و يتحكم فى كل أمر ، و بينما تتخلل جذوره كل موجود فى الوجود ، فهو لا يتورع أن يعمل عمله الرهيب فى دائرة عقولنا و نفوسنا و قلوبنا أيضا .
1- عمل روح الله فى العقل :-
يعمل عمله الخفى فى مراكز الوعى والشعور فى المخ ، كما لا يفوته أن يعمل فى دوائر اللاوعي واللاشعور بالدماغ أيضاً ، يغير اتجاه التفكير ، ويقلب منحى الإحساس ، و يوسع من قدر الإدراك ، كما لا يتورع فى أن يعمل فى مراكز الذاكرة لدينا ؛ فنتذكر أشياء وكلمات قد تكون مكتوبة أو منطوقة يبعث بها الروح فى وقتها وفى ساعتها ، وقت وصود كل أبواب للرجاء أمامنا ، وكل منافذ للأمل فى وجوهنا ، كلمات تشد من أزرنا ، وترفع هامة رؤوسنا ، وتنصب اعوادنا ، وتكللنا بالهدوء وقت زخم محيطنا ، وقد تزرع الشموخ والتفاخر فى صدور البعض و إن كانوا قليلين .
2 - عمل روح الله فى القلب :-
بيد أنه لا يكتفي فقط بعمله فى تلك المادة العصبية الرخوة التى تملأ وتشكل رأس الإنسان وهو المخ البشري ، فإنه ينتقل فى ذلك إلى واحدة من أهم أعضاء جسم الانسان الأخرى وهو القلب ، فهو من شأنه أن يسيطر على نبضاته من حيث ازديادها أو نقصانها ، يتحكم من حجم عضلته من جهة انقباضها أو انبساطها ، يغير من منسوب ضغط الدم فى الجسم من حيث ارتفاعه أو انخفاضه إلا أنه دائما ما يجعله منضبطًا فى كل الأحوال ، يساعد على تحسن عملية التنفس بشكل كبير إذ أنه يزيل التوتر والقلق مما يؤثر إيجابا على القلب وضرباته وبالتالي على ضغط الدم فالتنفس ، له عمله السحرى و إن كان غير سحرى على دائرة العواطف والمشاعر ومحبتنا وقبولنا لأنفسنا ثم للآخرين .
3 - عمل روح الله فى النفس :-
له دور رئيسى فى بعث الهدوء والاستقرار والطمأنينة فى أنفسنا و أرواحنا ، مما يكون له بالغ الأثر على وجوهنا وأجسامنا ، وهو فى ذلك له دور آخر غير ذلك الذي يعمله فى أعضائنا الداخلية ألا وهو شكلنا الخارجى ، فهو له خبرة لا محدودة فى ارتسام البسمة على شفاهنا ، كما له عمل غريب لا تفسير ولا مبرر له إذ بامكانه أن يجعل وجوهنا تشع بالضياء وسط ظلمة أيامنا وحلوكة ليالينا ، يقهر الحزن قهرًا فيتوارى ليحل محله فرح لا يصوغ لإنسان النطق به ، يعتبر مبعثا للأمان وسط هدير العواصف و جيشانها ، كما إنه مبعث للسكينة وقت انزعاج البشر و ثورة الكل ، يرتعب منه القلق فيتلاشي ليحل محله كل ماهو منافٍ للرهبة و الخوف والاضطراب .
4 - تحكمه فى مجريات الأمور :-
بإمكانه أن يغير الظروف ويبدل الصروف ، فيخرج من السجن إلى العرش ، ومن الجلوس فى المزبلة للجلوس مع عُلية القوم و أشرافهم ، وإن لم يفعل ذلك فى الظروف فهو يعمل ذلك معنا نحن فيكللنا بالصبر وسط الظروف حتى يأتى وقته ليغير الكل إذ أنه ضابط الكل . يتحكم تحكمًا سياديًا فى مجريات الحياة ، قد يتداخل بقوته ليمنع نوائب ، وقد يتحكم بسلطانه فيسيطر على تلك النوائب ليجعلها فى نهايتها خيرًا عظيم لمن وقع بها و وقعت عليه . لا يعترف بأقدار إذ أنه فوق الأقدار ، فهو يتحكم فى كل نهاية ومن عنده تبدأ كل بداية ، ما من مصير إلا وقد خرج أمر السماح به من أمامه ، وما من بلية إلا وقد أقر لها بخط لا تتعداه ، يضع حدا لكل شيء بما فيه إرادة البشر فتتحرك كيفما شاءت لكن فى إطار ما رسمه وما أراد به .
5 - تصور البعض عن روح الله :-
هو فى ذلك مثل ريح تهب لا نعرف اتجاهها ولا من أين تأتى ولا إلى أين تذهب ، يفسرها البعض من الملحدين على أنه تأثير نفسي أو إيهام عاطفى يؤثر على الكيان بأكمله فيعمل عمله السيكولوجي مما يكون له الأثر على كافة النواحى الفسيولوجية فى الجسم ، ويفسره البعض الآخر ممن يؤمنون بالله على أنه ماهو إلا روح الله ، وهو يسكن داخلنا ، لا يحده داخلنا إذ إنه غير محدودة بإطار معين ، لكنه يشكل عنصرًا فعالاً بالداخل فيسيطر على انفعالاتنا وطباعنا ، كما أنه يغير من عاداتنا السيئة ويحررنا من كافة أنواع الإثم فنمسي وكأننا توًا مولودين من رحم أمهاتنا .
6 - القوة المطلقة التى لروح الله :-
و إن كان روح الله فهو له فى ذلك كل ماهو لله ، إذ أن الله و روحه واحد ، فهو خالق ، إذ يخلق الأمل بين دروب اليأس ، و ينشئ الصبر وسط غمرة الانتظار ، كما أنه يسيطر على الزمن إذ أنه خالق الزمن ، فيخلق البداية وقت النهاية ، و يأمر بالأوائل وقت الأواخر ، يسيطر على الأحداث ويتحكم فى كل الناس ، يجمع الأحداث فى نقطة تلاقى واحدة لتعمل كلها فى خدمة مقاصده تعالى ، يجدد ، يخلق ، يقيم ، يحيى ، ويعمل كل ما يعمله الله ، نعم فهو روح الله الذي هو الله .
7 - موقفنا كبشر إزاء روح الله :-
إن كان روح الله مطلق الوجود فأين سنذهب نحن إزاء هذا الوجود المطلق ؟ وإن كان كلي العلم فما هو فى مقدورنا أن نخفيه أو نخبئه عبر الزمن أو حتى خلال الأبدية وقت اختفاء الزمن ؟ إن كانت الحدود لتلك القوة الإلهية قد أفضت إلى العدم ؛ فماذا عسانا أن نفعل إن غضب وقت أن يتصلب فينا ما هو مخالف لمقاصده ؟ بل و إن كانت قداسته لا تستحسن السماء فى طهارتها ؛ فماذا سنفعل إن نظر إلينا بنظرته الفاحصة للأعماق وقد اعترانا الفشل في استقامة نفوسنا و ارواحنا ؟
إن كنا منه و له ، فاللجوء إليه هو الوجود لنا وغير ذلك هو الهلاك بعينه ، و إن كان لا وجود لنقطة فراغ من وجوده فى خط السرمدية اللامحدود فكان لزاما علينا الذهاب له والالتجاء إليه ، والعيش فى كنفه ، تحت حمايته وفى ظل بركته ، نستدفئ حمايته لنا من أنفسنا أولا ثم من غيرنا ثانيا ، نسترشد بارشاده ، ونستبصر بعلمه ، لنبقى طيلة الحياة زمنا وابدأ لا خانعين بل خاضعين حبًا وتقديرًا لمن هو الأول والأخر له كل المجد .