محرر الأقباط متحدون
بدأت مساء أمس الأحد فعاليات النسخة الثالثة للقاءات المتوسط اللاهوتية والتي تستضيفها مدينة ريجيكا الكرواتية حول موضوع "المسيحية والإسلام: في خدمة الأخوّة في عالم منقسم". يشهد اللقاء وللمرة الأولى مشاركة عدد من الفقهاء الشبان والأستاذة الجامعيين المسلمين.
 
مسألة الحوار مع الإسلام من أجل بناء عالم أخوي هي أذاً في صلب النقاشات التي يجريها زهاء أربعين طالباً جامعياً في اللاهوت، وقد بدأت الأعمال مساء الأحد وتستغرق لغاية العشرين من الجاري، وينضم إلى المؤتمرين المسيحيين تسعة مشاركين مسلمين، من بينهم عالم الفقه الإسلامي بنيمين إدريس، وهو إمام مسجد بينزبرغ بألمانيا. هذا بالإضافة إلى مشاركة خمسة عشر طالباً أرثوذكسياً وستة بروتستنت قدموا من كرواتيا، صربيا، البوسنة والهرسك، اليونان، فرنسا، النمسا وألمانيا.
 
صباح اليوم الاثنين افتُتحت النقاشات بمداخلة لرئيس أساقفة ريجيكا المطران ماتي أوزينيتش، كما قُرأت على الحاضرين رسالة للمستشار محمد عبد السلام، أمين عام لجنة جائزة زايد للأخوة الإنسانية، والذي كان شاهداً على الحوار الإسلامي المسيحي الذي تكلل بالتوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والتعايش المشترك من قبل البابا فرنسيس وإمام الأزهر أحمد الطيب، في أبو ظبي في الرابع من شباط فبراير ٢٠١٩.
 
وستتخلل الأعمال على مدى الأيام الخمسة المقبلة محاضرات يُلقيها خمسة من الأساتذة الجامعيين، قبل أن يتم التعمق بعد الظهر مع الطلاب المشاركين في المواضيع التي ستتناولها المحاضرات. مساء غد الثلاثاء ستُلقي الأخت ناتالي بيكار، من سينودوس الأساقفة، مداخلة حول موضوع "السينودسية، المسكونية والحوار بين الأديان" علما أن الراهبة الكاثوليكية تتمتع بخبرة طويلة في مجال الحوار الإسلامي المسيحي في فرنسا، لاسيما مع الشبان. أما مساء الأربعاء، السابع عشر من الجاري، سيُنظم نقاش حول لقاءات المتوسط اللاهوتية، وذلك في قاعة المؤتمرات التابعة لرئاسة الأبرشية.
 
على هامش الأعمال أجرى أحد المواقع الإلكترونية البوسنية مقابلة مع رئيس الأساقفة أوزينيتش الذي شدد على أن الحوار بين المسيحيين والمسلمين، لاسيما على المستوى اللاهوتي، يمكن أن يساعد جماعتي المؤمنين على ألا يكونوا سبباً للانقسامات، وعلى وضع أنفسهم في خدمة الأخوّة. لكنه أكد في الوقت نفسه أن هذا الأمر يتطلب وجود محاورين من الطرفين، كما فعل البابا وإمام الأزهر أحمد الطيب.
 
في معرض حديثه عن موضوع اللقاءات هذا العام، قال رئيس الأساقفة الكرواتي إنه تم اختيار هذا الموضوع بالذات من أجل تشجيع طلاب اللاهوت في المنطقة، التي تعاني من الانقسامات والأحقاد، على أن يجدوا محاورين بين بعضهم البعض، وعلى البدء في بناء عالم أفضل لا يعرف الانقسامات، وهذا يصح أيضا بالنسبة لمنطقة البلقان. وأضاف سيادته أن لقاءات من هذا النوع يمكن أن تنقل إلى المسيحيين والمسلمين رسالة مفادها أن الحوار مع أتباع باقي الجماعات الدينية لا يعرضنا للخطر، وأن الحوار مع الآخر لا يتطلب أن نتخلى عن هويتنا، بل يساعدنا على التعرف على الآخرين، ويساعدنا على تحسين أنفسنا.
 
واعتبر رئيس الأساقفة أنه بدون هذا الانفتاح وهذا الحوار، يُنظر إلى الآخرين على أنهم تهديد لنا، وأنهم أعداء يخيفوننا. والنتيجة تكون الانغلاق، والأصولية الدينية، ما يحملنا على أن نصبح أعداءً للآخرين. لكن في الواقع نصبح أعداءً لأنفسنا وللدين الذي نعتقد أننا ندافع عنه. ورأى سيادته أن العراقيل والحواجز التي نقيمها فيما بيننا لا تستطيع أن تنقذنا، لأن ما ينقذنا هي الجسور التي نريد بناءها، والحوار هو واحد من هذه الجسور.
 
لمناسبة انعقاد المؤتمر أجرى موقعنا الإلكتروني مقابلة مع أحد منظمي اللقاء وهو الكاهن البوسني واللاهوتي برانكو جوريتش، الذي توقف عند وجود مشاركين مسلمين وللمرة الأولى، موضحا أن المنظمين شاؤوا ذلك قناعة منهم بأن الحوار بين المسيحيين والمسلمين في منطقة المتوسط، وداخل القارة الأوروبية، هو حاجة لا غنى عنها في عالم اليوم. وأوضح أن الأخوة هي بلسم شافٍ لعالم بات أكثر استقطاباً خلال العقود الماضية، لافتا إلى أن اللقاء يريد أن يقدم إسهامه المتواضع لصالح السلام، من خلال إرساء أسس الأخوّة في العالم، مستلهماً من وثيقة الأخوة الإنسانية. وتمنى أن تنطلق من الشبان المشاركين رسالة أمل ورجاء موجهة إلى جميع الأشخاص الذين يحلمون بعالم أفضل، لا يعرف العنف، بل ينعم بالسلام.
 
وعاد الكاهن البوسني ليشدد على أهمية الحوار في عالم اليوم، مشيرا إلى أنه ضروري من أجل القيام بالخطوة الأولى، مع أن هذا الأمر يتطلب شجاعةَ مواجهة الرافضين للحوار، ووضع الثقة بالآخر. وهذه الثقة قادرة وحدها على إطلاق مسيرة السلام على الصعيدين الشخصي والاجتماعي. وأكد في الختام أن الكنائس المسيحية في البلقان يمكن أن تقوم بخطوات مشابهة لتلك التي قام بها البابا فرنسيس مع إمام الأزهر، وأن يجدوا محاورين لهم وسط الجاليات المسلمة، علما أن الكثير من تلك الجاليات تُبدي انفتاحا على الحوار أكثر من بعض الجماعات الكاثوليكية.