حمدى رزق
فيما يشبه (الحساب الختامى) لعهدة وزير الأوقاف السابق الدكتور محمد مختار جمعة، كشفت الوزارة فى بيان أخير، عن إحلال وتجديد وصيانة وتطوير 12081 مسجداً بتكلفة 18,661 مليار جنيه لعمارة بيوت الله، وافتتاح أكثر من 4960 مسجداً، فى الفترة من (سبتمبر 2020 حتى نهاية يونيو 2024) .
كذلك حصل 446 مسجدا على شهادة الاعتماد وضمان الجودة، وهذا يُحسب فى ميزان حسنات الوزير جمعة، ويحسب لفضيلته سياسياً ودينياً، إحكام السيطرة على المساجد وضبط شئونها وغل يد المتطرفين عنها، وتكثيف الأنشطة الدعوية فى بيوت الله..
كما يقال (البنية الأساسية المسجدية) تمت بنجاح وكلفة عالية، والمآذن ارتفعت، والأذان يصدح.. والحمد لله على نعمائه، ونحن للوزير «جمعة» من الشاكرين .
أعلاه، ما يمكن البناء عليه من قبل وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهرى، وفقه الله فى تبليغ الرسالة، وتأدية الأمانة، ونصح الأمة.. وتجديد الخطاب الديني. ما نقصده التعلية على البناء الأفقى بتعلية رأسية، ما يترجم تجديد الخطاب المسجدى وهو تعبير ربما جديد على الأسماع، ولكنه مقصود، معلوم مساجد بلا أئمة يؤمها المتطرفون، وأئمة كفايات تكفينا مؤنة غزوة المساجد مجددا، ودون تجديد الخطاب المسجدى وعصرنته، كمكون رئيس من مكونات تجديد الخطاب الدينى، تضيع المليارات هباء، ونخسر جبهة رئيسة فى معركة الوعى.
مقصدى بتجديد الخطاب المسجدى، الذهاب رأسا لما أسميه رسالة المسجد الإيمانية، ليست صلاة واعتكافاً فحسب، بل نرنو إلى مدرسة المسجد الجامع، إلى تجلية رسالة المسجد فى الناس، ما يعظم الفائدة الروحية من الخطاب المسجدي. أهم من المبنى، محتوى الخطاب الدينى، الخطبة الموحدة زمنا كانت سبيلا لكبح خطاب التطرف والفتنة، ولكن كيف يتعاطى الخطباء والدعاة معها تكليفاً على المنبر؟.
العنوان محمود ومطلوب خطبة موحدة وما تحته كثير ما يخشى منه، ليس المهم أن تكون الخطبة موحدة، المهم محتوى الخطبة، ومفرداتها، ومستهدفاتها، ما يترجم مقاصد الخطبة فى التحليل الأخير، ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض فهذا هو المطلوب ومستوجب العمل عليه بأناة وتدبر وفق المقاصد الشرعية.
توحيد الخطبة خلال سنوات خلت انتهى إلى خطبة نمطية، طقسية موسمية محفوظة عن ظهر قلب، منزوعة الدسم الدينى تخلو من العناصر الأساسية، ما يسمى الفوائد الإيمانية، فالمصلى يكاد يحفظ جميع الخطب ومعانى الآيات والأحاديث حتى أصبح يرددها دون تدبر، ودون العمل بها.
خطبة الجمعة صارت وظيفية، وظيفة الإمام وليست رسالته الأسبوعية، الخطيب يصعد المنبر ليسمع لنا خطبة محفوظة، ليست نابعة من القلب، ولم تعتمل فى الوجدان، دون تطوير فى الأساليب ما يشد انتباه المصلين ويغرس المعانى المطلوبة فى قلوبهم وعقولهم، فيخرج المصلون منها خاوى الوفاض، من علم أو خلق أو فضيلة يتخلقون بها.
مهم إيصال الرسائل الإيمانية القلبية بطرق عقلانية تخاطب العقل والقلب معاً، وماهية الرسائل الايمانية التى يتوق إليها المسلم، ويتشوق لسماعها، وينتبه لمفرداتها، ويستجيب لوصاياها..
لا تزال الخطبة المسجدية بعيدة كل البعد عن فقه المعاملات، ويتضمن جملة من الأحكام الشرعية العملية، التى تنظم علاقة المكلف بالآخرين، فالمعاملات خمس كما اتفق عليه المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات.. وهى محل نزاع وجدال شديد تشهد به أروقة المحاكم. وصولا لما يمكن تسميته فقه المقاصد الوطنية، وهى مشتقة لغوياً من فقه المقاصد الشرعية، والمقاصد الوطنية ترجمة للمقاصد الشرعية، وهى خمسة (حفظ اﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﻨﺴﻞ والمال)، ومثلها المقاصد الوطنية، ما يعنى مقاصد الوطن العليا التى يعتقدها المؤمنون بالدولة الوطنية.
المقاصد الوطنية باب واسع لا يدخله سوى المؤمنين بالدولة الوطنية، وهناك بين الأئمة من يروم خلافة وملكاً عضوداً، ومن يتعامى عن حدود وطنه ويستشرف حدوداً أخرى بعيدة، وهناك وهناك وهناك..
مستوجب خطاب مسجدى يعنى بحب الوطن جرياً على حب رسول الله صل الله عليه وسلم لـ «مكة المكرمة»، والحض على المواطنة كما ورد فى وثيقة المدينة، فتنتفى شبهات أئمة الفتنة والضلال تجاه إخوة الوطن، وتحض على برهم وودهم وحسن عشرتهم، وتذهب إلى تجلية قيمة العمل وإتقانه فى مرحلة فارقة من العمل الوطنى، ودور المواطن الصالح فى تأدية واجباته تجاه وطنه ومجتمعه وجيرته وأسرته (ومهم أسرته ونحن نرى عقوقا أسريا يحزن القلوب).
نقلا عن الاهرام