عادل نعمان
وفكرة الغرب عن الإسلام والمسلمين لا تخرج عن هذا المثل الصارخ، فنحن فى نظرهم إرهابيون، «وليس فى القنافذ أملس»، وهذا كناية عن أن كل العاملين فى حقل الإسلام السياسى أو غيره على هذا النحو إرهابيون ومتطرفون ومعتدون، أو كما قال أحدهم: «متطرف ومتطرف بشرطة»، وليس الأمر كله كذلك بل ويجب ألا يكون كله أيضًا، والظاهر لديهم أن الإرهاب والتطرف مكونان رئيسيان فى عقيدة المسلمين، تحت دعاوى الجهاد بشقيه الدفع والطلب، ولسنا ننكر أن تاريخنا ملىء بهذا العنف، وإن كنت أرى أن هذا ليس من الدين الإسلامى ولا يجب أن يكون، وأن تأصيل القدماء لهذا كان تأصيلًا سياسيًا سايروا فيه الإمبراطوريات القديمة المماثلة والمتاخمة لها، شجعهم على ذلك قوتهم وصلابتهم، وفقر حالهم، فجاء لهم من يؤصلها تأصيلًا فقهيًا وحولوا مسار الدفاع عن الدين من صد العدوان إلى الاعتداء على الغير، ولا أتصور أن يكون الاعتداء أو السلب أو النهب إحدى ركائز «أى دين» أو هكذا يجب أن يكون!!!
ولا أرى فى عناد هذه الجماعات ومراجعة سياسات الأجداد وإصلاح ما أفسدوه عيبًا أو انتقاصًا من الإسلام، فليس هناك مبرر لتقديس التاريخ الذى صنعه وأصل له رجال، وليس من الحكمة أن يكون الدفاع عن الإسلام والذود عنه مناقضًا ومناهضًا لحقوق الإنسان فى الاعتقاد وحرية العبادة والحياة تحت أى عنوان أو مبرر، فإذا خرج من صفوف المسلمين من يدافع عن حق الغير فى الحياة فليس هذا انتقاصًا من حق الدين، وإذا خرج من يدافع عن حرية الاعتقاد فليس هذا حربًا ضد الدين، ومن خرج يصحح وضعًا ويرى تأويلًا مخالفًا لما اعتاده الناس فليس هذا هدمًا لأركان الدين، وليس التجديد والإصلاح وضبط المصطلحات بما يتناسب مع الواقع الذى نحيا ردة عن الدين بل كل هذا عودة لأصل الدين وحفظ له.
ولنأخذ مثالًا حيًا يعتنقه معظم أصحاب الإسلام السياسى ويدعون إليه، وهو رأى فقهى لابن تيمية «شيخ الإسلام»، وهو نور ونبراس هذه الجماعات السلفية الجهادية (على الرغم مما واجهه الشيخ فى عصره من اضطهاد وحبس، بل واتهامه بالزندقة نتيجة هذه الآراء، وقد مات الشيخ محبوسًا فى سجن القلعة بدمشق، وقبلها واجه السجن خمس مرات فى القاهرة )، والذى تم استدعاؤه إبان الحرب التى شنتها أمريكا على روسيا فى أفغانستان، وذلك لصناعة وحشد التيار المتطرف للقيام بمهمة الحرب بالوكالة ضد الروس وإسقاطهم، وهذا رأيه «إن كل من بلغته الدعوة إلى دين الله فلم يستجب لها فإنه يجب قتاله حتى لا تكون هناك فتنة، ويكون الدين كله لله»، ويستند فى هذا إلى حديث: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم»، ولا يعتبر القتل هنا جريمة يعاقب عليها القاتل طالما كانت لإعلاء كلمة الله كما يزعمون.
ليس من الحكمة والعدل فرض الإسلام بالقوة، واعتبار قتل من يحول دون ذلك أمرًا شرعيًا ومقبولًا، ولا يمكن اعتبار كل من يقف ضد هذا العنف من المسلمين العقلاء خائنًا للأمانة ومنكرًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولا يمكن اعتبار هؤلاء القدامى من المشايخ الذين خالفوا مشايخ عصرهم قد خرجوا عن صحيح الدين، حين أصَّلوا للجهاد على صورة الغزو تأصيلًا ليس بحق أو بالصواب، وقالوا إن الآية التى يستندون عليها فى استمرار القتال ضد الكفر والكافرين ودائمة وباقية بقاء الكفر والشرك، وهى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم»، بأن صحابة الرسول فقط هم الذين كُتب عليهم القتال وهو كره لهم، والمقاتلة هم مشركو عهد النبوة فقط، ولا ينسحب على عصور أخرى، إلا أن الأطماع وقد كانت إرثًا وموروثًا معتبرًا لم يقدر الإسلام عليه، بل ظل قائمًا مخالفًا منهج الرسالة.
وهناك البعض من المسلمين منكفئون على ذاتهم لا يشعرون بآلام البشرية ولا يلتفتون إلا لمصائبهم فقط، ولا تهتز لهم شعرة، ويغمض لهم ألف جفن إذا واجهت دولة مصيبة أو ألمت بها كارثة أو محنة، بل على العكس يعتبرون كل هذه المصائب انتقامًا إلهيًا يستحقه هؤلاء، أما إذا أصابتهم مصيبة من هذه المصائب فهى امتحان واختبار، ويؤجر على الصبر عليها، فلا رأينا يومًا تبرعًا لكارثة فى بلد ما غير مسلم فى الوقت الذى تنهمر على هذه الدول المسلمة التبرعات والإعانات إذا ألمت بها كارثة من هذه الكوارث، بل تُفتح الحدود تؤويهم، فى الوقت الذى تُغلق فيه حدود الدول الإسلامية فى وجوه إخوانهم، ثم نقول يحاربون الإسلام والمسلمين، راجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب، حين نقف بين يد العادل، الذى لن يفرق بين مسلم وغيره، بل بين ظالم ومظلوم.
«الدولة المدنية هى الحل»
نقلا عن المصرى اليوم