ياسر أيوب

فى مدينة ريدموند بولاية واشنطن فى أقصى غرب الولايات المتحدة، يعيش الكاتب الأمريكى دانيال جيمس براون، الذى حقق قدرًا ليس قليلًا من الشهرة بعد كتابه الأول فى ٢٠٠٦ بعنوان «تحت سماء مشتعلة»، عن حريق هائل دمر مدينة هينكلى بولاية مينيسوتا فى ١٨٩٤.. وكتابه الثانى فى ٢٠٠٩ بعنوان «أسفل نجوم غير مبالية» عن معاناة الأمريكيين وهجراتهم إلى الغرب فى القرن الثامن عشر.. وفوجئ «براون» بعد كتابيه بجارته «جودى» تطرق بابه، وتخبره أنها قرأت الكتابين لوالدها جو رانتس، المريض جدًّا، والذى يعيش أيامه الأخيرة، وأن أباها يتمنى رؤية الكاتب الذى بالمصادفة يسكن بجواره.. واستجاب «براون» لدوافع إنسانية، ولم يتوقع أن هذه الزيارة ستمنحه كتابه الثالث، وربما أشهر وأنجح كتبه على الإطلاق.. فقد كان هذا الأب أحد ثمانية لاعبى تجديف صاغوا واحدة من أجمل وأهم حكايات التاريخ الأوليمبى.. وبدأ الأب يستعيد ذكرياته، وبدأ «براون» يجمع أى تفاصيل ومعلومات متوافرة عن هذه الحكاية.

 

كان هؤلاء كلهم من طبقات متوسطة وفقيرة، واضطر بعضهم إلى العمل فى أكثر من وظيفة لتوفير نفقات دراستهم فى جامعة واشنطن.. وأحبوا جميعهم التجديف وتفوقوا فيه محليًّا كفريق لجامعتهم.. واجتازوا التصفيات الأمريكية للمشاركة فى دورة برلين ١٩٣٦، لكنهم عجزوا عن توفير ٥٠٠٠ دولار طالبتهم بها اللجنة الأوليمبية الأمريكية، تكلفة السفر والإقامة فى برلين.. وعرضت جامعة بنسلفانيا أن ترسل فريقها الذى يلعب له أبناء أثرياء، وقامت الصحافة المحلية فى ولاية واشنطن بحملة تدعو أهل وشركات الولاية إلى التبرع بالمال حتى يسافر طلبة جامعة واشنطن إلى برلين.

 

 

وفى ثلاثة أيام فقط، تم جمع المال، وسافر الفريق مع البعثة الأوليمبية الأمريكية فى الباخرة مانهاتن إلى هامبورج ثم برلين، وكانت مسابقة القارب الثانى هى آخر مسابقات التجديف فى الدورة، وقبلها اكتسح الألمان خمس مسابقات، وفاز البريطانيون فقط بمسابقة الزوجى، وأُقيم السباق الأخير الساعة السادسة مساء ١٤ أغسطس، وفوجئ الجميع بحضور هتلر واثقًا من فوز الألمان، الذين ظلوا يسخرون من الفريق الجامعى الأمريكى الفقير.. وبالفعل، ظل الفريق الأمريكى متراجعًا فى الترتيب، وشعر الأمريكيون بالحزن والغضب وهم يتابعون السباق مباشرة عبر الراديو.. وتغير كل شىء فى آخر ٦ دقائق قبل خط النهاية، وفاز الأمريكيون بالذهب، وكانت صدمة قاسية لهتلر والجمهور الألمانى الكبير.. وجمع «براون» حكاية الفريق ومشواره من الفقر إلى الذهب فى كتاب جميل بعنوان «الأولاد فى القارب»، صدر ٢٠١٣، وتحول فى ديسمبر الماضى إلى فيلم سينمائى بنفس العنوان أنتجه وأخرجه النجم جورج كلونى.. ولم يقرأ الأب المريض الكتاب أو يشاهد الفيلم، حيث مات بعد عدة أشهر من لقائه الأول مع الكاتب براون.

نقلا عن المصرى اليوم