سمير مرقص
(١) «رحلة العمر رحلة مصرية ثرية»
«رحلة العمر» للدبلوماسى والسياسى المخضرم «عبدالرؤوف الريدى» (٩٢ عامًا، أمد الله فى عمره)، من أهم كتب السير الذاتية التى صدرت فى العقود الأخيرة. وترجع أهميته لسببين: أولهما: أنه عمل مركب يجمع بين خصائص كل من: السيرة الذاتية، والمذكرات/ اليوميات الخاصة، والرواية الشخصية، والحكى التاريخى للأحداث وتقييمها، والانطباعات المشاعرية والإنسانية، والتوثيق التاريخى. وثانيهما: أن كاتبها كان شاهدًا فاعلًا لأحداث دقيقة مرت بها مصر على مدى ما يقرب من نصف قرن. وقد كان السفير الريدى واعيًا بأهمية المحطات التى عبرها فى حياته الدبلوماسية والسياسية من جهة، والمدنية من جهة أخرى، وكيف أن رحلته «كانت مصادفات الأيام هى التى جعلت محطاتها الشخصية تقترن بالمسيرة الوطنية». ومن ثم استهدف ليس «مجرد تسجيل الأحداث، ولكن، أيضًا، رسم الصورة والمناخ الفكرى الذى جرت فيه الأحداث، والمشاعر الإنسانية اتى أحاطت بها». كما كان حريصًا على «تسجيل رأيه فيما جرى، وكيف تطورت رؤيته عبر الأيام والأعوام». تقع «رحلة عمر» السفير «الريدى» فى ٢٣ فصلًا، فيما يقرب من ٦٠٠ صفحة (صدرت عن دار نهضة مصر)، يمكن تصنيف موضوعاتها كما يلى: الأول: نشأة السفير الريدى، وذلك على مدى الفصول الثلاثة الأولى. الثانى: علاقة مصر بأمريكا من عام ١٩٥٥ إلى مطلع التسعينيات، وقد أخذت النصيب الأكبر من الرحلة/ الكتاب، وذلك من الفصل الرابع إلى العشرين. الثالث: الاشتغال بالعمل العام، وقد تم تناوله فى الفصل الواحد والعشرين، أعقبه الفصل الثانى والعشرون بالحديث عن أسرته. وختم الكتاب برؤية صاحب الرحلة حول: مستقبل الديمقراطية وأمن مصر القومى.

(٢) «محطة الجذور والانخراط فى الحياة السياسية والثقافية»
ينطلق «الريدى» فى رحلته من «عزبة البرج»، «وهى القرية الساحلية التى تقع عند مصب النيل بفرع دمياط»، حيث يلتقى النهر بالبحر. وقد كان لهذه الميزة الطبيعية أثرها على تشكل شخصية بطل الرحلة من حيث الارتباط العميق بالوطن والانفتاح على العالم. يقدم لنا السفير «الريدى» تحت عناوين الجذور، ومصر بين عهدين، عالم الدبلوماسية.. تفاصيل كثيرة حول نمط الحياة على المستويات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية فى القرية المصرية الساحلية. والتحولات التى طرأت عليها بمرور الوقت الإيجابى منها والسلبى. كذلك كيف انخرط ابن الطبقة الرأسمالية التجارية الوفدية فى الاهتمام بالشأن العام وبالاستقلال الوطنى، وبالمسألة الاجتماعية، وبالقضية الفلسطينية. كما يستعرض بتكثيف، غير مُخل، الأحداث التى مرت بمصر فى الفترة منذ منتصف الأربعينيات حتى سنة ١٩٥٥. ورصد «توتر الأجواء السياسية» ومهادنة حزب الوفد، وصعود الحركات السياسية الجديدة، وبزوغ أحزاب جديدة وانضمامه للحزب الاشتراكى. كذلك استعراض الحيوية السياسية والثقافية التى «كانت القاهرة تعج» بها مثل «جمعية الشبان المسيحية، ومحاضرات سلامة موسى، والبيت الأخضر، وندوات إبراهيم شكرى ومحمد حلمى مراد»... إلخ. وكتابات طه حسين الاجتماعية كـ«المعذبون فى الأرض»، والإصلاحية مثل «من هنا نبدأ» لخالد محمد خالد. إضافة إلى أن «الجامعة كانت انعكاسًا للحياة السياسية فى مصر.. كانت فيها كل الأحزاب».. فى هذا السياق كان السفير «الريدى» طالب الحقوق حاضرًا فى قلب الحياة السياسية والثقافية التى «تبلور، فيها، الموقف الشعبى فى الكفاح من أجل إنهاء الاحتلال البريطانى، وفضح مفاسد الملك.. وتحقيق العدالة الاجتماعية بالتقريب بين الطبقات وتحديد الملكية الزراعية...». ويعرج السفير «الريدى» بتركيز شديد على واقعة حريق القاهرة ١٩٥٢، وأحداث مارس ١٩٥٤. وفى هذا الوقت اشتغل «الريدى» بالمحاماة، ثم أُعلن عن الحاجة إلى ملحقين دبلوماسيين فى نهاية ١٩٥٤. تقدم ونجح واستلم عمله فى وزارة الخارجية يوم ٢٧ إبريل ١٩٥٥، وكان ذلك بداية انطلاق محطة جديدة فى رحلة العمر.

(٣) «محطة الدبلوماسية»
تصادف أن بدأت المحطة الدبلوماسية فى رحلة عمر السفير «عبدالرؤوف الريدى» فى عام ١٩٥٥، العام الذى أصبحت فيه «مصر فى قلب اهتمامات» العالم الجديد الآخذ فى التبلور مع خسوف القوى العظمى الكلاسيكية. فلقد «أصبح عبدالناصر هو القوة الجاذبة والنجم الساطع فى سماء السياسة العربية، فهو الذى رفض الأحلاف العسكرية وكسر احتكار السلاح وظهر فى مؤتمر باندونج كشخصية دولية كبيرة إلى جانب نهرو، وشوان لاى... وتيتو». وجاء عام ١٩٥٦ الذى انتهى نصفه الأول وقد «تحقق حلم وطنى كبير، وذلك بإتمام جلاء القوات البريطانية يوم ١٨ يونيو ١٩٥٦». ثم جاء قرار تأميم قناة السويس التاريخى. ولأن «الريدى» كان ملحقًا ببعثة مصر فى الأمم المتحدة وشغل مواقع مهمة تكللت بأن أصبح مندوبًا دائمًا لمصر لدى الأمم المتحدة، فسفيرًا لمصر لدى الولايات المتحدة الأمريكية (١٩٨٤ــ ١٩٩٢)، فلقد تسنى له معرفة الكثير فيما يتعلق بعلاقة مصر بأمريكا، ما مكنه من رسم صورة دقيقة لكثير من الملابسات حول هذه العلاقة وتطورها على مدى عقود شهدت فيها مصر أحداثًا تاريخية كحرب ١٩٦٧ وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر واتفاقيات السلام ومؤتمر مدريد وحرب الخليج... وضبط وتصويب كثير من الروايات التى تتعلق بخلفيات تلك الأحداث.
نقلا عن المصرى اليوم