سامح فوزي
فى الشرق الأوسط نفاضل بين «سيئ» و«أسوأ»، بايدن أم ترامب. وقد استغربت أن يخرج عدد من المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعى للتعبير عن فرحتهم بانسحاب جو بايدن من سباق الرئاسة الأمريكية، على خلفية مواقفه الداعمة لإسرائيل فى حرب غزة. لكن انسحاب بايدن، قد يعطى فرصة أكبر أمام دونالد ترامب للفوز فى الانتخابات، ويصبح الرئيس الأمريكى القادم. وبالتأكيد إن كانت مواقف بايدن «سيئة»، فإن مواقف «ترامب» سوف تكون «أسوأ». وبالتالى فإن مشاعر الابتهاج، والشماتة الممزوجة بالسخرية بخروج «السيئ»، تفتقر إلى الوعى بقدوم «الأسوأ»، بل إن هناك من يراهن على أن ترامب سوف يحل مشكلات الشرق الأوسط، كما يظهر فى بعض الآراء السطحية.

ترامب فى رئاسته الأولى قام بتصفية القضية الفلسطينية، فقد عزل السلطة الفلسطينية، وضيق عليها، ودعم سياسات الاستيطان على نطاق واسع، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ليس هذا فحسب، بل أطلق ما عرف بالاتفاقات الإبراهيمية، التى استندت إلى مبدأ أساسى هو التطبيع دون حل القضية الفلسطينية، وهو ما يتفق مع نظرته بأن القضية الفلسطينية هى قضية سكان أو بشر، وليس أرضًا أو كيانًا. بالتأكيد اختلفت الأوضاع على الأرض الآن كثيرًا عما كانت عليه فى ولايته الأولى، فقد أحيت حرب غزة الوعى بالقضية الفلسطينية عالميًا رغم عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين، والتدمير الهائل للقطاع، بل امتداد القتل والعنف إلى الضفة الغربية، وعزز الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية الأسبوع الماضى الموقف الفلسطينى، بالتأكيد على أن الأراضى التى استولت عليها إسرائيل عام 1967 هى أراضٍ محتلة، والشعب يقع تحت الاحتلال، الذى لا بد أن ينتهى فى أقرب فرصة. لكنى أعتقد أن ترامب لن يبالى بذلك إذا جاء إلى البيت الأبيض، بل سوف يطلق العنان للحكومة الإسرائيلية أن تمضى فى سياساتها العدوانية تجاه الفلسطينيين. وقد تتسع نطاق الحرب لتشمل حلفاء إيران فى المنطقة، بما يتجاوز توازنات الفعل ورد الفعل السائدة حاليًا.

ليس معنى هذا الحديث أن مواقف بايدن تجاه القضية الفلسطينية إيجابية، بل على العكس دعم بشدة إسرائيل، ولم يستطع كبح جماحها، ووافق على كل خطتها، رغم ما كان يتردد فى الكواليس عن خلافات بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى بالتأكيد يراهن على مجىء ترامب حتى يعطيه مزيدًا من الغطاء لسياساته العدوانية والمتغطرسة ضد الشعب الفلسطينى، ويساعده على إنقاذ مصيره السياسى. لكن رغم سوء «بايدن»، فإن ترامب قد يكون «أسوأ». هذه هى الإشكالية، والتى تحتاج إلى توافق عربى حول موقف موحد يوضع أمام ترامب أو أى من سوف يأتى إلى الحكم فى الولايات المتحدة. وهو أمر لن يتحقق إلا من خلال دعم قوى من دول الخليج، التى تمثل الآن مركزًا ماليًا عالميًا، واستغلال السعودية ورقة التطبيع مع إسرائيل التى من المؤكد أن ترامب سوف يسعى وراءها، وتحقيق تفاهمات مع القوى الإقليمية وهما إيران وتركيا. ورغم كل الخلافات وتباين المواقف، فإن هذه خطوة استباقية مهمة للإبقاء على القضية الفلسطينية من جانب، ودعم الاستقرار فى الشرق الأوسط من جانب آخر، والحيلولة دون انفلات الأوضاع إلى مستويات يصعب السيطرة عليها فى ظل حكومة مأزومة فى إسرائيل، وتمدد إيرانى، وخلاف فلسطينى، واحباط سياسى، وتحديات اقتصادية خانقة.
نقلا عن الشروق