عادل نعمان

ولا أتصور نجاحًا للسياحة فى مصر ما دامت تتمدد أرجل هذه المافيا داخلالمزارات السياحية'> المزارات السياحية، وتنتشر كل هذه المخالفات دون ردع، ما يرتكب فى الهرم والبازارات والمزارات والأماكن السياحية أمر يحتاج إلى مراجعة شاملة لكل سلوكيات القائمين والعاملين عليها، هذه سلوكيات سلبية طاردة للسياحة، وجناية فى حق تاريخنا العريق، مهما حاولنا أن نجذب السائح بكل الطرق والوسائل. ابنتى تحدثنى حين جاءت من أمريكا بصحبة مجموعة من الزملاء لزيارة القاهرة العامرة، وكيف وقعت فى خدعة ركوب الخيل فى منطقة الأهرامات، وما كان من مساومات ومفاوضات بين السائح والجمال والتى تصل فى النهاية لابتزاز السائح والضحك عليه، أما عن «الخرتية» والذين يطاردون السياح من نصف شارع الهرم ومثلهم فى كل المزارات فهو أمر غريب ومريب، ناهيك عن زيارة البازارات والمحلات والكافيتريات والورش وهذه العمولات المغالى فيها والتى يحققها المرشدون دون وجه حق فهو أمر جد خطير.

 

هذه الحكايات المخزية التى ترويها، كانت تسترجع نفس الماضى الذى عشناه منذ عقود، وقد كنت أتصور زوالها واندثارها، إلا أنها للأسف ما زالت تعيش بيننا زاهرة عامرة الآن، وهى أمور مجحفة تبعد السائح ولا تقربه، وتطرده ولا تجذبه، ومهما حاولنا تنشيط السياحة وتعظيم مواردها دون ضبط هذه الفوضى وهذه العشوائية، فإن القربة لن تمتلئ يومًا ما أبدا.

 

ولا يخرج من هذه المعادلة السيئة سوى مدينة الأقصر إلى حد مقبول ومريح، وهى شهادة تستحقها هذه المدينة الراقية، وعلى النقيض تمامًا مدينة إدفو وانتشار المتسولين فى الطرقات، ومطاردة السائحين فى الشوارع وأمام المحلات بصورة موحشة ومقززة، يصل فيها الأمر إلى ملاحقة السائح والاقتراب حتى التلامس منه بصورة ملحوظة وهو أمر منفر ومزعج لدى هؤلاء وتعدٍ على الخصوصية والتى تميزهم عن غيرهم، وحدث ولاحرج عن سائقى التاكسى فلا ضابط ولارابط ولاسعر محدد أو زى معين أو ضمانة تحمى السائح حين يخالف السائق قواعد وأصول المهنة، بل نحن نترك السائح لهوى كل هؤلاء وضمائرهم، وهى عزيزة ونادرة إلا من رحم ربى.

 

السائح يا سادة ليس يستهويه الآثار فقط، بل يستهويه تصرفات الناس وأناقتهم ونظافتهم وسلوكياتهم وأمانتهم، لقد سافرت فى رحلة سياحية إلى مدينة

 

«كانكون» هى مدينة ساحلية فى المكسيك، وتقل فى جمالها عن شرم الشيخ كثيرا، إلا أنه من دواعى الرغبة فى تكرار الزيارة هذا المستوى الراقى فى التعامل مع السائح، والخدمات التى تقدم له، والأهم التعريفة الموحدة لكافة الخدمات بما فيها تعريفة الانتقالات داخل المدينة فى السيارات الخاصة والعامة والتى توفر خطوطها الدولة، فلا مغالاة فى الأسعار، ولا تفاوت ملحوظ وظالم بينهم، ولا متسولين فى الطرقات ينكدون على السائح رحلته، ولا تطفل أو فضول يفرضه أحد عليه، والكل منهمك فى عمله بدقة دون استجداء أو استعطاف، وكأن المنظومة قد ارتداها الجميع وأحسنوا تفصيلها ومقاسها، على الرغم من الفارق الحضارى بين شعب وشعب، إلا أنك تشعر للوهلة الأولى بالانضباط والالتزام والرقابة، والأهم المسؤولية التى يشعر بها العاملون بالسياحة هناك، وأكيد هذه صناعة لا تتركها الدولة على هوى الناس، بل هى منظومة ترسمها الدولة وتقننها وتنفذها بدقة حتى يصبح هذا الالتزام سلوكا يوميا وحياتيا.

 

قلنا من قبل ضرورة اختيار العاملين الذين يتعاملون مع السائح فى كلالمزارات السياحية'> المزارات السياحية من رجال السياحة أو رجال الشرطة، والاستعانة بالأكفاء، فليس الأمن هو المحور الرئيسى فى المعادلة، أونعهد بإدارة هذه المرافق لمتخصصين فى هذا المجال فورا، وتوحيد أسعار الخدمات والتذاكر وتجهيز أماكن الانتظار ودورات المياه وخدمة الواى فاى المجانية والأهم التخلص من هذه المافيا التى تتكسب الملايين دون وجه حق من وراء هذه الملاحقات، الغريب أن الدولة والمواطنين فيها يدفعون تكلفة هذه الفوضى، حين لا يفكر السائح فى إعادة الزيارة مرة أخرى، وهو مقياس مهم فى نجاح منظومة السياحة فى أى دولة.

 

ومن الظلم أيضا اعتبار وزارة السياحة هى المسؤولة عن كل هذا، فدمها موزع بين القبائل، وأعترف أن سلطاتها داخل هذه المزارات سلطات محدودة وربما معدومة، وهو أمر يحتاج إلى الدراسة، بحيث تكتمل المنظومة تحت غطاء واحد، وإدارة واحدة، كيف؟ هذا أمر متروك للمسؤولين، كل ما نرجوه توفير الأجواء الملائمة داخل الآثار والمتاحف بما يتناسب مع عظمة الزائر والمزور «وحق على المزور أن يكرم زائره» والعمل على راحته، وتقديم الخدمة بصورة جيدة وبسعر مرضى، وحماية السائح من كل صور الابتزاز، وهى مهمة الدولة أولا.

 

منظومة السياحة مسؤولية الدولة وحدها، ولا تتعلل ولا تبرر أن السلوكيات الفردية مسؤولية الأفراد فقط، وهو زعم كاذب، فالدولة بسلطاتها وأجهزتها قادرة على أن تضع النظام وتؤكد عليه وتلزم به الجميع بسلطة القانون، حتى يصبح هذا الانضباط جزءا من سلوكيات الناس لا يحيدون عنه، وأنا على يقين «أنهم لو أرادوا شيئا فعلوه».

«الدولة المدنية هى الحل».

نقلا عن المصرى اليوم