هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
أثارت حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 الكثير من الغضب والاستياء الشديدين وانتقادات واسعة من المسيحيين حول العالم وفِيه إهانة بالغة للمسيحيين وهناك مطالبات بمقاطعة الأولمبياد من الكثيرين. حيث يصور أحد العروض في الحفل ظهور مجموعة من الفنانين المتحولين جنسيا في عرض فيديو مطول، تجسد الشخصيات المرسومة في لوحة "العشاء الأخير" التي رسمها ليوناردو دافنشي القرن الخامس عشر والتي تجسد سر الافخارستيا (سر التناول) وهو من أقدس المعتقدات المسيحية . وهو تذكير بالعشاء الذي تناوله السيد المسيح بصحبة تلاميذه عشيّة آلامه حسب ما جاء في الكتاب المقدس في (إنجيل لوقا 19:22 ، وإنجيل متى 26:26 ، وإنجيل مرقص 22:14). ويُحتفل بها المسيحيين لأنها التعبير المرئي للكنيسة التي تمثل جسد ودم المسيح.
ندين باشد العبارات هذا العرض الذي يحاول أن ينال من مسيحيي العالم، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا أين احترام الدين واحترام معتقدات الآخر.
في تقديري الشخصي هذا العرض المشين يعد جريمة أخلاقية ويتعارض تماماً مع المعتقدات الإيمانية الراسخة للمسيحيين ، حيث يسخر من الكتاب المقدس ، ومن الإيمان المسيحي ومحاولة بائسة منهم واعتقادهم ان هذا ينال من السيد المسيح قدسيته، وفيه إهانة بالغة لكل المسيحيين في جميع أنحاء العالم أن أي مسيحي بل والجميع، يعلم تماماً أن السيد المسيح الوحيد الذي لم يرتكب الخطية ؛ وقال بفمه الطاهر أمام الجميع "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ " وأنه انتصر علي الخطيئة والموت. فكيف يتم تصويره بهذا الشكل .
نحن نؤمن بحرية التعبير، لكن هذا العرض المشبوه لا يندرج ضمن باب الحريات أو الإبداع بأي شكل من الأشكال ، والذي يؤكد صحة رؤيتنا أنه كان هناك فيلم أمريكى أنتج فى الثمانينات تحت اسم الإغراء الأخير للسيد المسيح، وهو مقتبس عن رواية نيكوس كازانتزاكيس التي صدرت عام 1953م، وقد أثار جدلا لأنه كان يصور العلاقة بين السيد المسيح ومريم المجدلية، مما أثار إستياء الكثير من المسيحيين وتم منع عرضه في عدة بلاد أوروبية حيث واجه هذا الفيلم رفضًا شديدًا وانتقادات حادة من جانب الفاتيكان، ووصل الأمر إلى المطالبة بطرد الفيلم من مهرجان كان ، وقدم مخرج الفيلم نفسه للمحاكمة في روما بسبب هذا الفيلم.
كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد انتصرت للمقدسات الدينية، وأصدرت حكماً تاريخياً منذ عدة سنوات وقررت أنّ الإساءة للمقدسات والرموز الدينية - لا تندرج ضمن حرية التعبير .
لذلك نري أن الطعن في الدين المسيحي ومقدساته لا يدخل ضمن الحرية الشخصية ، وأنّ هذا العرض المسئ تجاوز الحد المسموح به في الطرح، ويصنف كهجوم مسيء على السيد المسيح والمسيحيين، كما عرض السلام الديني للخطر.
وارى أنه يجب يكون هناك توازن دقيق بين الحق في حرية الابداع والتعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية ، ويجب أن تستوعب الدولة الفرنسية وجود خطوط فاصلة بين الحرية الشخصية وبين مراعاة مشاعر الآخرين في احترامهم لمقدساتهم وأن الأستهزاء بعقائد الآخرين والطعن في الذّات الآلهية لا يدخل يدخل ضمن الحرية الشخصية .
في تقديري ان هذا العرض يعد جريمة ازدراء الدين المسيحي مكتملة الإركان وهذا ثابت من خلال العرض والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي الدين المسيحي.
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا.
أن حرية الإعتقاد والرأي مكفولة ، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه،.. فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
لذلك يجب إستبعاد هذا العرض المسيئ على الفور وإزالته وإعتذار الدولة الفرنسية لكل مسيحيي العالم.
كما يجب ان تقدم اللجنة الأولمبية الدولية اعتذار رسمي لجميع مسيحيي العالم لأن هذا العرض المشين يخالف المثياق الأولمبي الذي يحترم الأديان.
فلنضع صورة العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه على كل شبكات التواصل كعلامة لرفض السخرية من المسيحية واحترام مقدساتنا ولنبذ الكراهية والتجديف الذي حدث في افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس.