سحر الجعارة
«أحلف بسماها وبترابها» هكذا احتضنت علم مصر ووقفت بعزة وشموخ تغنى من قلبها وكل ذرة فى كيانها.. إنها عاشقة الكلمة واللحن والوطن.. عاشقة «حليم» ومصر والمصريين مؤمنة بسحر تأثير صوتها وبقوة نغماتها التى تخترق القلوب وتسكن العقل.. إنها السيدة «ماجدة الرومى».
فى خلفية هذه الأغنية ظهرت الأهرامات، وأبوالهول، وهى ترتدى زياً بخطوط فرعونية بسيطاً وناعماً كدانتيلا مشاعرها.. والجمهور يحيطها حباً وسعادة ولهفة تعانق صدقها.
إنها تعود بتلك الأغنية لتحيى زمن العزة والكرامة.. ولهذا ذهبت إلى الخال «عبدالرحمن الأبنودى»، قبل أن يرحل عنا، ليحقق أمنيتها فى كتابة مقاطع خاصة بها إلى جانب مقاطع «حليم».. لأنها بذلك تحيى مشاعر عربية أصيلة وتعيد إلينا «حليم».
ليس سراً أن علاقتها بمصر علاقة دم، تقول ماجدة: «إن والدتها مصرية الأصل من مدينة بورسعيد، وأن عائلة والدتها كانوا يعملون فى هيئة قناة السويس».. فليس غريباً إذن أن تغنى «سمراء».. لأنها (تعتبر مصر شرياناً بقلبها لكونها خط الدفاع الأول عن العالم العربى، وإنه إذا حدث بها مكروه لن يقف العالم العربى على قدميه، وما حدث فى ثورة 30 يونيو علّم العالم).
لقد جاءت «ماجدة الرومى» -من قبل- لتضع صوتها بتصرّف الشعب المصرى إيماناً منها بوحدة المصير العربى.. ولأنها تسير على خُطى السيدة «أم كلثوم» التى سخّرت صوتها لجمع التبرعات للمجهود الحربى.
ثم كتبت السيدة «ماجدة» كلمات لمحبيها على صفحتها الخاصة على موقع «فيس بوك»، قائلة: «أحلم أن أكون رسالة حب فى الأرض، ومعركتى فى الحياة.. محاولة التعبير عن هذا الحب.. من خلال إيمانى بالإنسان».
وعلى خشبة المسرح فى مهرجان «العلمين» قالت «ماجدة» لجمهورها خلال الحفل: «مساء الخير سعيدة بوجودى معكم وبحضوركم وبصداقتكم وبمحبتكم وسعيدة بمصر اللى بحبها من نص قلبى».. معروف أن النصف الثانى للبنان. وتابعت ماجدة: «مصر اللى بنرتاح بحبها، فرحانة بسماها وهواها وفنها وكل شىء حلو فيها».
هذا الصوت الملائكى هو بالفعل «صوت الضمير».. ورسالة حب وسلام.
مصر التى تعشقها «ماجدة» تبادلها نفس المشاعر وأكثر، وتعانق صوتها كلما صدحت أو ترنمت.. إنها شريان يضخ نهراً هادراً من حب المصريين لها على شاطئ بيروت.. وكأنها عناق روحى بين بلدين يذوب فيه فرق اللهجات وتمتزج فيه النغمات لتصبح أغنية واحدة يرقص على إيقاعها شعبان ويغنيها عاشقان وتمزج حضارتين.
(سمراء): «أوراق زهور برية.. أجنحة طيور بحرية/ ليلٌ وحرير وتكية.. وتقول الشفة الخمرية: أنا مصرية/ كالأرض حميمة وبهية.. كالشمس قديمة وصبية.. سمراء».. يستحيل على أى صوت أن يغنى تلك الكلمات بنفس الإحساس والصدق والفخر بمصريتها «إلا ماجدة».. وأتصور أن هذه الأغنية وحدها تصلح لتكون «صوت المصريات» لكننا ربما لم نتعامل معها بما تستحق.
لقد سددت الست «ماجدة» مصريتها من قلبها وعقلها ومشاعرها.. من صوتها وصدقها ودموعها وحضورها الدائم.. وكانت مصر دائماً الملهمة وشرارة الانطلاق لموهبتها حين كانت شابة تقوم ببطولة فيلم المخرج العبقرى «يوسف شاهين» وتغنى أيضاً فى «عودة الابن الضال».. دائماً تبكى الرقيقة «ماجدة» عند ذكر الفيلم، ربما تبكى أحلامها فى التمثيل التى ضاعت بسبب الحرب الأهلية فى لبنان.. أو الزمن الذى كان يتوهج فناً وعطاء.
وتعود دائماً «ماجدة» ملكة متوجة على عرش الرومانسية وسفيرة للأغنية الوطنية تتربع على قلوب المصريين.
لى مع السيدة ماجدة قصة لطيفة أحبها وتبكينى كلما تذكرتها، فى مهرجان جرش 2021 تعرضت الست ماجدة لدوار على خشبة المسرح.
وكتبت هنا فى جريدة «الوطن» تحت عنوان (صوت بحجم وطن): لا لم تسقط «ماجدة الرومى» على خشبة المسرح: الكبرياء والشموخ لا يسقطان.. الرمز لا يهتز.. لكن «الحب منهك والوطن مأزوم».. (ذهب الذين تحبهم.. ذهبوا فإما أن تكون أو لا.. لا تكون.. حاصر حصارك لا مفر.. اضرب عدوك لا مفر.. فأنت الآن حر وحر وحر).
واختتمت مقالى: «الست ماجدة» نحبك، نحب فيك عراقة جبال الأرز وروعة مغارة جعيتا وتمثال السيدة «مريم العذراء» يتربع أعلى جبل حريصا.. بعدد الكلمات التى سكنت بصوتك والنغمات التى أحبّت حنجرتك والعشاق الذين رقصوا معك تانجو الحياة: «سلامتك».
جاءتنى منها رسالة رقيقة بواسطة الشاعر والسيناريست الدكتور «مدحت العدل»، وكان المفروض أن نلتقى فى أول زيارة لها لمصر.. لكن تعرضى لإجراء جراحة بسيطة حال دون ذلك.. لا يمكن أن أصف إحساسى بكلمتها فقط أقول «الحب سعادة».
لم تكتمل «أغنية الحب» التى تغنت بها الست «ماجدة» لمصر إلا برحلة بحرية على يخت مع صديقة عمرها النجمة «إلهام شاهين» والإعلامية «لميس الحديدى».. لنرى مياه البحر الأبيض المتوسط تزدان بصورتهن مجتمعات على سطح يخت لتكمل الصورة: صورة الفن والحب والحرية على إيقاع عصرى وفرت له الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» كافة الإمكانيات التقنية والفنية.. ليصدح «صوت الحب والحرية» فى سماء العلمين وينساب سحر النجوم كالسهل الممتنع فى مياهها الصافية.
نقلا عن الوطن