بقلم: أندرو اشعياء
كان موت استفانوس مُنطلقًا لموجة جديدة من الأحزان وإشارة إلى اضطهاد الكنيسة الفتية اضطهادًا دمويًا. ومع ثقافة شاول العالية وعمقه العظيم إلا أن مشهد استشهاد القديس استفانوس ووجهه يشرق بإنعكاسات أسمى وعلى شفتيه صلاة لأجل مضطهديه، قد ترك أثرًا بالغًا عميقًا في عالم بولس الداخلي ..

لقد تأسس نوع مِن المحاكمات، وكان القبض الليلي والتفتيش المنزلي والضغط واستعمال التعذيبات والجلد، عملًا من الأعمال اليومية. كانت توجد فرقتين في ذاك الوقت: الأولى فئة المسيحيين المخلصين لشريعة وناموس موسى والثانية جبهة استفانوس ومَن مثله الذين تركوا عباءة اليهودية تمامًا وهم تقريبًا الذين شن عليهم شاول حربًا ضاريه..

كانت الشريعة بنواهيها المألوفه من ثلاثمائة وست واربعين نقطة، وتقاليد لفظيه لا عد لها تؤثر فكر شاول! لذا فكيف لها أن تُمحى سريعًا هكذا؟! إذ أنه يعرف جيدًا أن مَن يخالف واحده منها فقد صار مُجرمًا في الكل. لقد قال عن نفسه «مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الَّذِي فِي النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ» (الرسالة إلى أهل فيلبي3: 6) أي كيف لأنسان مُدققًا هكذا أن ينسى كل شئ في لحظه؟!

لقد كان شاول عدوًا لأنصاف الحلول وممثلًا للنظام المطلق. وهذا ما دفعه أن يضطهد كنيسة الله بإفراط ليسد الفراغ بمحاولات خارجيه لخدمة الشريعة تجسدت في هجوم وحشي ..

لقد خلت أورشليم مِن المسيحيين اليونانيين. منهم مَن ذهب إلى السامرة ومِنهم مَن ذهب إلى يافا ومِنهم مَن ذهب إلى انطاكية  وفينيقية وقبرص إلا أن سيل اللاجئين انصب أكثر على دمشق. ولهذا قرر شاول أن ينطلق إلى دمشق. اسبوعًا كاملًا للوصول إلى هناك، قرابة مائتين وخمسين كيلومترًا تفصله مِن اورشليم إلى دمشق.. سريعًا امتضى جواده إلى هناك، وكان أمامه ثلاثة طرق عليه أن يسلك واحده مِنها ولغيرته حتمًا سار في اقصر طريق. فاجتاز تلال اليهود ثم حقول السامرة بسنابلها الذهبية التي وقف امامها الرب يسوع عندما مرّ امامها مِن سنين وقال «ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ.» (انجيل يوحنا4: 35) وياللعجب فقد خرجت كلمات الرب مِن مكامِنها لتصرخ كحقيقة واقعية «فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إلى حَصَادِهِ» (انجيل متى9: 38).

بعدما عبرّ السامرة حتمًا تنفس المسيحيون هناك الصعداء وأزيح ثقل عن صدورهم. اتجه الي سهل أشقلون وهو المكان الذي انحدر فيه شاول الملك وخسر مملكته، وهكذا اتجه في أماكن عبر فيها قبلًا ابراهيم واليعازر ويعقوب وراحيل.

لقد صار شاول كالصياد الذي لا يستطيع أن يكبح جماحه! ولكن في الطريق ينتظره صياد القلوب الذي اسره فيما بعد بمحبة عميقه حتى صرخ «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟» (الرسالة إلى أهل رومية8: 35) ..

كانت الافكار الدينية الي حد ما مشوهه بسب التخيلات السياسية التي كانوا يستخلصونها مِن التفسير الخاطئ ومِن الأدب المنحول. ولهذا، فإن الأمة التي تعيش عصورًا طويلة تحت نير العبودية تكون احلامها كأحلام المحكوم في سجنه .. هكذا تكونت فكرة المسيا المنتظر أنه له امكانيات حربية، وادارية، تعلو فوق الضعف البشري حتى أنه يقهر كل أعدائه. واينما التفت، ارتجف مِن حوله .. هذا ما كان يدور في فكر شاول!

في هذه الحالة النفسيه المتوترة وُجِد شاول. «كيف لهذا المخطط أن يستمر ويؤول بالقضاء على اليهودية؟!» ربما كان يردد هذا في عنف إلى أن لاحت أبواب دمشق مِن بعيد.. لقد رأى أمامه المدينة اللؤلؤية بطوقها المألوف مِن شجر التفاح والنخيل تحت أشعة الظهيرة.. وفيما هو ينظر سقط على الأرض! لقد رأى انسان سماوي .. «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» وهنا انهارت مقاومته تمامًا أمام نظرات عميقه وصوتًا ربما كان كنشيد الجمعة الحزينة مصحوب بنبرة جاده. هنا استولت عليه المعرفة الإلهية وطفق صوته داخليًا يصرخ «لقد ضاعت قضيتي .. كان استفانوس على حق! »