بقلم /ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 24 ابيب الموافق 31 يولية بعيد استشهاد الشهيد ابانوب النهيسي ؛والذي يعتبر واحد من أصغر الشهداء الذين نالوا أكليل الاستشهاد في سن صغيرة نسبيا وهو 12 سنة ؛ أما عن أصل كلمة أبانوب فيوجد رأيان الرأي الأول يرجعه إلي "ابا " بمعني " أب " ، وأنوب فهو نسبة إلي الإله انوبيس ابن اوي إله الموتي في مصر القديمة . أما الرأي الثاني فيرجعه إلي كلمة قبطية معناها "أبو الذهب" ولد في بلدة قريبة من سمنود ؛فقد والديه وهو طفل صغير ؛وفي أحد الأعياد دخل الكنيسة ليصلي ؛فسمع الكاهن وهو يعظ عن ضرورة الثبات في الإيمان والصبر علي الاستشهاد ؛وإذ كان يصلي ظهر رئيس الملائكة ميخائيل له وأعلمه أنه سيتألم في سمنود ثلاثة أيام ؛ولكن الرب سيكون معه ؛ فمضي إلي الوالي وأعلن أنه مسيحي ؛فطرحه في السجن ؛فتجمع كل المسجونين حول القديس الطفل ؛وسألوه عن أسمه وبلده ؛ فلما روي لهم قصته ذهلوا جميعا من قوة إيمانه وتحمله بالرغم من سنه الصغير ؛فتشجعوا وخرجوا جميعا وأعلنوا أمام الوالي الوثني أنهم مسيحيون ؛فأغتاظ الوالي جدا وأمر بقطع رؤوسهم جميعا ؛فقتل منهم عددا كبيرا قيل أنه نحو 8 ألاف فردا ؛ ثم أقلع إلي أتريب وأخذ معه الصبي أبانوب ؛وعلقه منكس الرأس علي صاري المركب ؛ عقابا له علي ما فعله ؛إذ لعن الوالي وأوثانه ؛وبينما كان الوالي في المركب ؛ألتصق الكأس الذي كان يشرب منه بفمه ؛كما أصيب جميع الجنود الذين بالسفينة بالعمي ؛ وعندما رفع نظره إلي أبانوب وجده ينزف دما كثيرا من فمه وأنفه ؛ثم رأي ملاك الرب يطل عليه ويمسح له هذا الدم ؛ فصرخ الوالي نحو أبانوب وقال "أنا أؤمن بالحقيقة بإله المسيحين؛ والآن أطلب من إلهك يا أبانوب أن يشفيني ؛وسوف نصير أنا وجميع جنودي مسيحين ؛لأني رأيت اليوم عجبا " فأجاب أبانوب إلي طلبه وصلي إلي الله أن يشفيه . وبعد أن وصلت السفينة إلي أتريب ؛قام والي أتريب بتعذيب الطفل أبانوب في سلسلة طويلة من العذابات ؛وفي كل مرة كان الرب ينجيه بطريقة معجزية ؛ وبسبب هذه المعجزات آمن كثير من الشعب بالمسيحية ؛ حتي استشهد ذات مرة 185 شخصا في يوم واحد ؛وعندما يأس والي أتريب من الطفل أبانوب ؛أرسله مقيدا إلي والي الإسكندرية ؛ وهناك مر بسلسلة أخري طويلة من العذابات ؛وعندما يأس منه الوالي أخيرا ؛أمر بقطع رأسه بالسيف ؛ونال أكليل الاستشهاد ؛وكان ذلك في 24 أبيب كما ذكرنا في المقدمة . فقام القديس يوليوس الأقفهصي(وهو القديس الذي أهتم بتدوين سير جميع الشهداء وحفظ سيرهم وتعيد الكنيسة بذكري إستشهاده في يوم 22 توت ) بكتابة سيرته ؛ وتكفين جسده ؛ثم أرسله إلي بلده بنهيسة ؛ وفي عهد الأنبا يؤانس أسقف سمنود ؛قام بنقل جسد الشهيد إلي كنيسة السيدة العذراء الأثرية هناك ؛وأحتفلوا به احتفالا كبيرا .
أما عن سمنود بلد الشهيد ؛فهي مركز من مراكز محافظة الغربية ؛ وتبعد حوالي 8 كم عن مدينة المحلة الكبري ؛ ويقال أن كلمة سمنود محرفة عن الكلمة القبطية "جمنوتي " Jemnouti ومعناها "موجدة الآلهة " حيث أن كلمة "جم Jem"معناها "يجد " و"نوتي Nouti "معناها "آلهة وذلك باللغة القبطية . "ولقد ذكرها يوحنا النقيوسي في كتابه الشهير "تاريخ العالم القديم " وفي الفصل الرابع عشر منه ؛فقال عنها "إن أوزيريس ؛أو كما يسمي اليونان (أبوللو) أسس مدينة سمنود ؛وأقام فيها معبد كبيرا . كما ذكرها العالم الفرنسي اميلينو(1850- 1915 ) في موسوعته الشهيرة "جغرافية مصر في العصر القبطي " ؛والتي نشرها عام عام 1893 تقريبا .وقال عنها أن أسمها المصري سيبتنينتو Sebtinitou والقبطي سمنوتي Djemnouti لأن حرفي dj ينطقان في اللغة القبطية صادا .
وكتب عنها محمد رمزي في موسوعته الشهيرة "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية "وفي المجلد الثالث وتحت أسم سمنود فقال عنها " هي من المدن القديمة ذكرها جوتييه في قاموسه فقال :إن أسمها المصري تبنتوتير Tebnoutir والرومي سبنتيوس Sebennytos والقبطي سمنوت Xemnout وكانت قاعدة القسم الثاني عشر بالوجه البحري وعاصمة المملكة المصرية في عهد الأسرة الثلاثين الفرعونية . .... كما ورد أسمها في المسالك لابن خرداذبه وفي كتاب البلدان لليعقوبي ؛ وقال عنها الأدريسي في نزهة المشتاق سمنود مدينة حسنة كثيرة الداخل والخارج عامرة آهلة وبها مرافق وأسعار رخيصة ؛وجاء عنها في معجم البلدان "سمنود مدينة أزلية علي ضفة النيل بينها وبين المحلة الكبري ميلان تضاف إليها كورة السمنودية كما ورد ذكرها في قوانين أبن مماتي .... الخ . وفي سنة 1826 أنشيء قسم إداري بمديرية الغربية باسم قسم سمنود وجعل مقره مدينة سمنود وفي سنة 1871 سمي مركز سمنود ؛وفي سنة 1882 نقل ديوان المركز والمصالح الأميرية إلي المحلة الكبري . وفي سنة 1928 صدر قارا بإعادة إنشاء مركز سمنود ؛وبسبب السياسة الحزبية تكرر إلغاءه ثلاث مرات في مدي سبع سنوات ثم أستقر بقاءه للمرة الأخيرة في سنة 1935" .
ولقد خرج منها العديد من الآباء البطاركة نذكر منهم البابا يوحنا الثالث البطريرك ال 40
( 666-675م ) وفي عهد تم تجديد كنيسة مامرقس بالاسكندرية . والبابا مينا البطريرك ال 47
( 752- 762 م ) والبابا قسما الثاني البطريرك ال54 (852- 859م ) . كذلك من أشهر الأساقفة علي سمنود نذكر الانبا يؤانس “ أي يوحنا باللغة العربية " أسقف سمنود ؛وكان معاصرا للبابا كيرلس الثالث البطريرك ال 75 من بطاركة الكنيسة القبطية ( 1235- 1242) والمعروف في التاريخ بلقب "كيرلس ابن لقلق " ؛ وهو من أوائل الأساقفة الذين رسمهم علي سمنود وله كتاب هام في قواعد اللغة القبطية يعرف ب"المقدمة " كتبه حوالي عام 1220م تقريبا ؛ كذلك كتب كتاب آخر في كلمات اللغة القبطية عرف بأسم "السلم" ؛ وهو ما يقابل القاموس أو المعجم حاليا ؛ وله فيه سلم للهجة البحيرية عرف ب"سلم السمنودي" وسلم آخر باللهجة الصعيدية عرف ب"السلم الكنائسي " . كذلك له مدائح كثيرة مكتوبة باللغة العربية للسيدة العذراء تتلي خلال شهر كيهك ومنها هذا البيت الشهير :-
ويوحنا من سمنود مسمي بها ومولود
يا رب تحنن عليه وجود أمين هللوليـــا
( وإن كانت بعض الدرسات الحديثة التي ظهرت تؤكد أنه ليس هو نفس الشخص ولكنه تشابه أسماء ) .
ويذكر التاريخ أن العائلة المقدسة مرت علي هذه المدينة أثناء هروبها إلي أرض مصر ؛ومكثت فيها حوالي من 14 إلي 17 يوم ؛ويذكر التقليد القبطي أن السيد المسيح قال لأمه عندما مرا بهذه المنطقة " سوف يكون بهذه البلدة بيعة مباركة بأسمي وبأسمك ويذكر فيها أسمينا إلي الأبد " ويوجد حاليا بالكنيسة الأثرية بسمنود ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال أن السيدة العذراء قد عجنت فيه أثناء إقامتها بسمنود ؛كما يوجد بئر ماء أثري في فناء الكنيسة يذكر التقليد القبطي عنه أن العائلة المقدسة قد شربت منه( أنظر الصور المرفقة بالمقالة ) . ولقد ذكر الرحالة الفرنسي الإلماني الاصلي الراهب الدومنيكاني فانسليب ( 1635- 1679 ) هذه الكنيسة في كتابه "تقرير الحالة الحاضرة 1671 " فقال عنها " في مدينة سمنود كنيسة الطوباوي أبانوب " كما ذكرها الراهب الرحالة الفرنسي الراهب اليسوعي "كلود سيكار " فلقد زار الكنيسة خلال رحلته إلي منطقة ؛وكان ذلك عام 1723 م فقال عنها " أما مدينة سمنود فكان هناك عدد كبير من المسيحين والكنيسة بالبلدة بأسم القديس ابانود} يقصد ابانوب { المصري الذي استشهد وعمره 12 سنة في عصر دقلديانوس " . ومازلت كنيسة الشهيد أبانوب بسمنود تحتفظ برفات الشهيد أبانوب ؛كما تحتفظ بالماجور الذي عجنت فيه السيدة العذراء ؛والبئر الأثري الذي شربت منه العائلة المقدسة أثناء مرورها بالمنطقة يزوره الألاف سنويا ؛خصوصا في عيده في يوم 24 أبيب الموافق 31 يولية كما ذكرنا سابقا في المقدمة .
كما كتب عنها المؤرخ الالماني اوتو ميناردس في كتابه " المسيحية القبطية في ألفي عام " حيث قال عنها " تعد هذه الكنيسة من أهم المزارات الشعبية نظرا لوجود رفات القديس أبانوب بها ؛ويحتفل كل عام بعيد القديس في 31 يوليو ؛وتقول التقاليد القبطية إن العائلة المقدسة زارت سمنود ويقال أن البئر الموجودة بالكنيسة قد باركه السيد المسيح ( المرجع السابق ذكره ؛ترجمة مجدي جرجس؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 2353 ؛ 2019 ؛صفحة 192 ) .