هاني لبيب
فى تقديرى المستمر منذ عدة سنوات أن التدخلات غير الوطنية وذات المنظور الشخصى قد تسببت فى وجود أشكال متباينة من الانقسامات الفلسطينية، وهو ما جعل القضية الفلسطينية ترتبط دائمًا بأجندات خارجية يتم توظيفها لصالح تلك القوى المذكورة سواء كانت حماس فى الداخل أو غيرها فى الخارج.

وما حدث من اغتيال لإسماعيل هنية «رئيس المكتب السياسى لحماس» بمقر إقامته فى طهران ومن قبله قيادات أخرى، ما هو إلا دليل على مخططات تغيير الملاعب لصالح فرض الرؤية الإسرائيلية على الجميع؛ استغلالًا لمناخ الإعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية بالضغط على أطرافها لتحقيق مكاسب لحكومة نتنياهو التى كانت على وشك الانهيار قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٤.

على الرغم من أن القضية الفلسطينية ظلت لسنوات طويلة القضية الجامعة للشعوب العربية والموحدة لمواقفهم، فإن الفترة الأخيرة قد شهدت تحول القضية الفلسطينية إلى قضية «مفرقة» لأجندات غير خالصة النوايا.. وبالتالى، أصبح الصراع أيديولوجيا لتحقيق أهداف شخصية، وليس سياسيا لترسيخ القضية الفلسطينية كقضية وطنية بالدرجة الأولى. ومن الواضح أن كل أشكال الصراع السابقة تصب فى صالح إسرائيل ومحاولة البعض التقرب منها بشكل فردى على حساب القضية الفلسطينية، وأصبحت العلاقة مع إسرائيل مطمعاً من بعض الدول كمدخل لتحسين علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر.

دائماً ما استغلت إسرائيل فشل المفاوضات بسبب عدم اتخاذ الفصائل الفلسطينية موقفًا موحدًا كذريعة للخروج من مأزق المسار السلمى، بحجة عدم وجود شريك حقيقى ومتفاعل.. وهو ما كان يجب أن يستدعى انتباه الإرادة الوطنية الفلسطينية للشعب الفلسطينى من أجل تجاوز المصالح الشخصية، ووجود حس وطنى يقبل التنازل من الفصائل المتصارعة (خاصة فتح وحماس) من أجل شعب هذا الوطن الفلسطينى.

جاوزت الفرقة بين الفصائل الفلسطينية المدى. وهو ما انعكس على الأوضاع فى غزة وعلى القضية الفلسطينية فى مجملها.. كما أن عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية لديها القدرة على تذليل الخلافات الفلسطينية.. تم استغلاله فى عدم الوصول لمفاوضات حقيقية للحل النهائى. وما ترتب على ذلك من تأكيد مدى احتياج القضية الفلسطينية إلى وجود إرادة سياسية غير مرتهنة بتوجهات سياسية لقوة إقليمية تستخدم القضية الفلسطينية ضمن أوراقها للتفاوض والضغط والمقايضة من أجل تحقيق مصالحها الشخصية.

لم تكن القضية الفلسطينية تحتاج إلى مزايدة من أى طرف، ولم تكن تحتاج أيضًا إلى نظرة قصيرة الأمد لأمور تعتبر فى نظر تيارات وحركات الإسلام السياسى (دنيوية)؛ لأن الحاجة كانت لحس وطنى فلسطينى يسمو على المطامع الشخصية والمكاسب المباشرة. وهو ما كان يتطلب وجود قيادة على قدر من المسؤولية، تؤمن بالوطن الفلسطينى وحقوق الشعب الفلسطينى المهدرة، بعيدًا عن الرهانات الخاسرة والمكاسب القصيرة.

تحتاج مسألة تحديد سيناريوهات مستقبل عملية السلام الآن لأن نقوم بقراءة دقيقة للمرحلة الراهنة. وهى قراءة تمثل خلاصة المحاور الأساسية التى تحكم العملية السلمية والمفاوضات. وهى مواقف تتداخل فيما بينها بين الموقف الأمريكى والموقف الإسرائيلى، فضلاً عن الموقف الفلسطينى والعربى، والدور الذى تقوم به إيران الآن.

من الواضح أن هناك مساعى إسرائيلية لإضعاف أى مواقف دولية أخرى فى مقابل ترسيخ المواقف المتشددة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، والتى تتم بالتنسيق مع اللوبى الصهيونى الذى يضغط سياسيًا على الإدارة الأمريكية.. وتعتمد هذه المساعى على سياسة «التسويف» لعملية السلام لأقصى درجة ممكنة لتحقيق المزيد من المكاسب، وإعادة تشكيل مستقبل العلاقات سواء الفلسطينية – الإسرائيلية أو الإسرائيلية – العربية – الإيرانية طبقًا لخريطة جديدة بقيادات وسطية معتدلة لديها استعداد للتفاوض؛ خاصة بعد سلسلة الاغتيالات والتصفيات التى طالت قيادات متشددة فلسطينية من حركة حماس ومن غيرها من أتباع تيارات وحركات الإسلام السياسى فى المنطقة بشكل موجه يبدو منظمًا.

نقطة ومن أول السطر..
تحتاج الدولة الفلسطينية إلى جهود دبلوماسية ووطنية بالدرجة الأولى، وهو ما لن يتحقق سوى بوحدة الصف الفلسطينى ومواجهة إسرائيل كفريق وجماعة فلسطينية واحدة لا تهتم بمصالحها الشخصية وارتباطاتها الإقليمية لكى يكون هناك وطن فلسطينى واحد.

أعتقد أن السيناريو القادم هو التهدئة والتفاوض ونبذ الخلافات بوجوه وأطراف معتدلة جديدة أو يتم استدعاؤها.. وهو على عكس المتوقع والمرتقب.
نقلا عن المصرى اليوم