ياسر أيوب
«فى الحانة القديمة».. عنوان قصيدة جميلة وحزينة للشاعر العراقى الراحل مظفر النواب قال فيها: «رضيت يكون نصيبى فى الدنيا كنصيب الطير.. لكن سبحانك.. حتى الطير لها أوطان وتعود إليها.. وأنا مازلت أطير».. وأتذكر هذه القصيدة وهذا المعنى كلما مر خبر قصير عن بعثة أوليمبية نادرا ما يتذكرها أو يتحدث عنها أحد فى دورة باريس الحالية.

بعثة اللاجئين التى تضم ١٣ لاعبة و٢٤ لاعبا يشاركون فى ١٢ لعبة وجاءوا من ١١ بلدا لكن لا أحد منهم يستطيع أن يرفع علم بلده أو يذكر اسمها.. فقط يرفعون علم الأمم المتحدة أو شعار اللجنة الأوليمبية الدولية.. أو العلم الجديد الذى اختارته لهم الأمم المتحدة قبل الدورة الأوليمبية الحالية وهو عبارة عن قلب أحمر تحيط به دائرة من السهام السوداء.

٣٧ لاعبة ولاعبا أصبحوا كلهم مثل الشاعر مظفر النواب يحسدون الطيور لأن لها بيوتا تعود إليها بينما مظفر وهؤلاء اللاعبات واللاعبون لا يستطيعون العودة لأوطانهم وبيوتهم الأولى.. فمظفر عاش سنين طويلة يسكن بيوتا وأوطانا لكنه لا يستطيع العودة إلى العراق.. وهؤلاء اللاعبات واللاعبون أيضا لا يستطيعون العودة إلى سوريا والسودان وجنوب السودان والكاميرون والكونجو وإريتريا وإثيوبيا وإيران وأفغانستان وكوبا وفنزويلا.

والمؤكد أن لاعب التايكوندو السورى يحيى الغوطانى والملاكمة الكاميرونية سيندى نجامبا اللذين حملا علم اللاجئين فى افتتاح باريس كان كل منهما يتمنى لو شارك فى دورة أوليمبية وحمل فى الافتتاح علم بلاده.. فمن الصعب أن يشارك اللاعب فى حدث رياضى مثل دورة أوليمبية وهو لا يمثل بلده ويلعب دون أن يعرف هل الناس فى بلده يشاهدونه ويشجعونه أو حتى يعرفوا أنه يلعب.. وإذا فاز، فلن يرفع علم بلده، ولن يقف الجميع احتراما للسلام الوطنى لهذا البلد..

ورغم النظام الأوليمبى الصارم المفروض على كل لاعبى هذه البعثة بعدم الحديث عن بلدانهم وقضاياهم.. كسر العداء دوريان كيليتيلا قضبان الصمت وأكد أن كثيرين فى الكونغو يتابعونه، وأنه على الرغم من اغترابه عن بلده منذ طفولته إلا أن الكونغو لا تزال وستبقى وطنا يعتز بالانتماء له.. أما لاعبة الجودو الأفغانية نيجارا شاهين فهى أكثر الجميع رغبة فى العودة إلى بلدها مهما كان الثمن.

لكن لاعبة الرماية لونا سولومون من إريتريا لا تريد العودة أو تخاف أن تعود.. فلا المشاركة الرياضية والأوليمبية وتصفيق الناس وحياتها الحالية فى سويسرا ساعدوها على أن تنسى رحلة العذاب والخوف والألم لعشرة أيام فى الصحراء حتى الساحل الليبى ثم رحلة مخيفة أخرى فى البحر حتى أوروبا.. وتبقى البطولة الحقيقية لكل هؤلاء ليست كأسا وميدالية، إنما البقاء على قيد الحياة.
نقلا عن المصرى اليوم