د.أحمد الخميسي
يضغط الانسان التاريخ ويختصره في أسماء القادة، ولا يحتفظ في ذاكرته بشيء عن آلاف الجنود الصغار، وقد بقيت في ذاكرة الوطن أسماء مصرية لامعة شاركت في حرب 1948، لكن أحدا لم يسمع عن السيدة ابتسامات عبد الله، أول امرأة مصرية تحصل على رتبة عسكرية " ملازم أول"، شاركت شابة في حرب 48، وعندما توفيت منذ أيام عن عمر ناهز 97 عاما نعتها القوات المسلحة في بيان جاء فيه:" كان للفقيدة دورا بطوليا فى حرب فلسطين عام 1948 حيث حملت السلاح وشاركت في عمليات تمريض مصابي العمليات أثناء الحرب بالمستشفى الميداني الذي أعدته مصر داخل مدينة غزة". لم نسمع كثيرا أو لم نسمع قط عن جمال المرأة المصرية المقاتلة في حرب 1948 التي شارك فيها نحو عشرة آلاف جندي مصري.
 
سمعنا عن اللواء أحمد علي المواوي قائد المشاة ، وعن اللواء أحمد فؤاد صادق الذي منحه الملك رتبة الباشاوية لشجاعته في صد الهجوم على قطاع غزة ورفح والعريش، سمعنا عن المشير أحمد بدوي الذي خاض حروب مصر كلها، حرب فلسطين والعدوان الثلاثي و67 والاستنزاف وحرب أكتوبر، لكن لم يكن من بين الأسماء العظيمة اسم الملازم أول ابتسامات محمد عبد الله التي مد الله في عمرها حتى بلغت السابعة والتسعين.
 
ولدت ابتسامات في أسيوط عام 1927، وكان والدها رجلا عسكريا برتبة بكباشي، والتحقت بالهلال الأحمر لتصبح ممرضة، وفي عام 1947 قرأت بالمصادفة اعلانا في مجلة المصور بطلب فتيات متطوعات إلى الجيش، فقدمت طلبا، وتم قبولها في الجيش بعد مقابلة شخصية في مستشفى كوبري القبة العسكري، ومع اشتعال حرب فلسطين تولت ابتسامات محمد عبد الله تمريض الجرحى والمصابين في المعارك بمستشفى ميداني أُقيم خصيصا داخل أحد المنازل في غزة. وصارت اول امرأة مصرية تحصل على رتبة " ملازم أول" في تاريخ العسكرية المصرية. كان الأجدر بالقنوات التلفزيونية المتعددة أن تنقل لنا جانبا من حياة تلك البطلة الجميلة، فنرى أين كانت تعيش، ومع من، وعما كانت تتحدث وصورها القديمة في الجيش، لنرفع بكل هذا نموذجا ملهما لجمال المرأة المقاتلة وبطولتها. وليس الملازم أول ابتسامات محمد عبد الله إلا حلقة في سلسلة من نور تمتد في تاريخنا من نساء ثورة 19، من شفيقة محمد شهيدة مظاهرات ثورة 19، ونساء الثورة  صفية زغلول، وهدى شعراوي، وكل النساء المصريات البطلات اللواتي نمت صدورهن بآمال الوطن وكرامته قبل أحلام الغرام والأطفال، النساء اللواتي صورت لطيفة الزيات نموذجا منهن في روايتها" الباب المفتوح" حيث لا حرية للمرأة من دون حرية الوطن. تحية لروح الملازم أول ابتسامات، لبطولتها، وحياتها، وعطائها.