إعداد/ ماجد كامل 
شغلت قضية المرأة المصرية محور  أهتمام المفكر  المصري الكبير "سلامة موسى " (  1887- 1958   ) ، حتى أنه خصص كتابا كاملا عنه عرف باسم " المرأة ليست لعبة الرجل " وهذا الاسم مستوحى من مسرحية الكاتب النرويجي الشهير هنريك أبسن Henrik Ibsen ( 1828- 1906 ) مؤلف مسرحية " الدمية  A Doll,s House   ، والتي تصور قصة السيدة "نورا " التي ثارت على استبداد زوجها ورفضت أن تكون مجرد دمية بين يديه ( ولعل قصيدة نزار قباني الشهيرة أيظن أني لعبة في يديه ، والتي شدت بها المطربة الكبيرة نجاة مستوحى من هذه المسرحية ) . ولقد سجل سلامة موسى أعجابه الشديد بأبسن وبمسرحيته في كتاب "هؤلاء علموني " الفصل الخاص  بأبسن ، حيث قال " لقد تعلمت من إبسن شرفا جديدا لم أكن أعرفه حين تركت بلادي إلى أوربا في عام 1907 ،هو شرف الإنسانية التي يجب ألا يحدها حجاب المرأة ، هو شرف الزواج الذي يقوم على الإخاء والمساوة ، ليس فيه سيد وعبد ، هو شرف الأمة التي ترفع نسائها إلى مقام الوزيرات والنائبات وتفتح لهن المدارس ( سلامة موسى : هؤلاء علموني : صقحة 56 ) . 
 ولقد أفتتح سلامة موسى كتابه بفصل عنوانه " أيتها المرأة لا تكوني لعبة " قال فيه " أني ادعوك أيتها المرأة المصرية ، إلي أن تثبتي وجودك الإنساني والإجتماعي بالعمل والإقدام ، وأن تختاري حياتك واختبارتك .. أدعوك ان تدربي ذكاءك ، وتربي شخصيتك ،وتستقلي في تعيين سلوكك ، وتزدادي فهما  وخبرة  ونضجا بالسنين . لا تكوني لعبة نلعب بك نحن الرجال ، للذتنا نشتري لك الملابس الزاهية ، والجواهر المشخخشة ، ونطالبك بتنعبيم بشرتك ......... أنت إنسان لك جميع الحقوق الإنسانية التي للرجل ، فلا تقبلي أن ينكر عليك أحد هذه الحقوق وأن يعين لك طراز حياتك  ، أنت  إنسان لك حق الحياة واقتحام التجارب  البشرية وحق الإصابة والخطأ .، سيقال لك أن البيت هو دائرة نشاطك ، وهو كذلك إذا شئت أنت ، ولكن ليس لأن هناك حكما سماويا قهريا يجبرك على الطاعة  وعلى البقاء قي البيت ، ثم أذكري أنه ليس في الدنيا بيت يمكنه أن يستوعب كل نشاط المرأة ، البيت أصغر من أن يستوعب كل إنسانيتك ،وكل عقلك ، وكل قلبك ؛لأان الدنيا الواسعة هي  بيتك الأول ( المرأة ليست لعبة الرجل ،  صفحة 11 ) .
 
وحول أهمية خروج المرأة للعمل كتب يقول " إن المرأة عندما تعمل تجد الكرامة ، وتجد الاستقلال ،وتجد الأمل والثقة .فهي لا تقلق على مستقبلها ولا تخشى أن يفوتها زواج . وهي تعرف أن كرامتها وعيشها وسعادتها لا تتوقف على محاسنها الجسدية فقط ،إذ ان لها محاسن  أخرى هي ذكائها ومهارتها وإنسانيتها التي تنمو جميعها بالعمل . هذا العمل الذي يربيها وينضجها ويجعلها تكبر وتحيا الحياة الفنية الفلسفية في هذه الدنيا . ... وتلك الفتاة التي تعمل وتكسب من عملها قبل الزواج ، تعد خير الزوجات عندما تتزوج  ، ليس فقط لانها لا  ترصد كل وقتها لزيادة محاسنها التي تغري بها زوجها حتى لا يلتفت إلى غيرها ، وإنما لأن اختبارتها السابقة في عملها الحر ، أو خدمتها الحكومية ، تجعلها تفهم المجتمع الذي تعيش فيه وتحملها على ألا تقصر نشاطها على البيت  إذ هي لا تنسي هذا المجتمع بجميع مسئولياته ومسراته ،  ثم هي لأنها نفهم هذا المجتمع وتفهم قيمة العمل ومسئولياته ، تعرف مسئوليات زوجها وتفطن  لمتاعبه وهمومه ( سلامة موسى : نفس المرجع السابق ، صفحة 66 ) . 
 
كما دعا إلي ضرورة تولي المرأة للمناصب العليا في مصر أسوة بالرجال ، وفي سبيل دعم تلك الفكرة كتب يقول " الفرصة الصارخة لنا في الوقت الحاضر هي ان نعين المرأة الكفء للعمل الكفء ، وأن نستغل الجديرات كل يمثلنا في المؤتمرات والسفارات والوزارات ، حتى يخدمننا وحتى يزلن ما يتهمنا به الأوربيون من التهم التي تجرح كرامتنا الوطنية ، والتي تجعلنا نبدو أمام العالم المتمدن كا لو كنا فصيلة منفصلة من المجتمع البشري ،  إن برلمان مصريا يجب أن يحتوي الأعضاء من الرجال والنساء ( المرأة ليست لعبة الرجل : صفحة 76 ) . 
 
 كما كتب مقالا بعنوان "متى تصير المرأة إنسانا ؟ " نشر في كتاب شهير له بعنوان "محاولات "      أكد فيه أن المرأة إنسان كامل لها نفس حقوق الرجال من حيث حق التعليم وحق العمل  ،فيقول " لقد ساوينا في التعليم بين الشبان والفتيات ، ولكن هذه المساواة لا تكفي ،فقد تكون المرأة خريجة الجامعات ، ولكنها لا تشترك في الحياة العامة ، ولا تنتج ولا تعمل في المصنع أو المعمل أو المتجر ، لا تتخرج من جامعة الحياة ، ولذلك لا تحصل على الحكمة التي يحصل عليها الرجال الذين لا يقتصرون على ما تعملموا في الجامعة ، بل يضيفون إلى ذلك تجارب الأيام وعبرها ...... ليست المساواة أن يستوى الجنسان في التعليم، إنما المساوة أن يستويا في فرص الحياة ، في كوارث الدنيا ، في كل ما ينادينا به عقلنا وغرائزنا وحقنا وواجبنا بوصف أننا من البشر ، وأن كلا منا إنسان قبل أن يكون رجلا أو أمرأة ،زوجا أو زوجة . .... يجب على المرأة لكي تكون إنسانا ، ان تعيش على مستوى الرجال من اكتساب الخبرة والتجربة والانغماس في الحياة ، والاشتراك في النشاط البشري والإجتماعي (   سلامة موسى : محاولات ،  الصفحات من 151- 153 ).
ولقد تعرض سلامة في كتابه " مقالات ممنوعة " إلى الأسباب التي أدت إلى ظهور الدعوة إلى تحرير المرأة في مصر ، ولقد لخصها في الأسباب التالية : 
1-العامل الأول هو الاحتكاك بالحضارة الاوربية من خلال الجاليات الغربية التي كانت تقيم فى مصر  ـأو التي كانت تقيم منذ أكثر من سبعين سنة في مدننا الكبرى مثل القاهرة  والإسكندرية وبور سعيد ، فأنها بعيشتها ،وأزياء نسائها ، ونشاطهن فى الأعمال الحرة ، اوجدت قيما وأهدافا جديدة  أخذ بها المجتمع المصري . 
1-إن النهضة الاستقلالية منذ ثورة 1919 إلى الآن قد أحدثت نهضة نسوية ، لأن الوعي  بالاستقلال السياسي أوجد وعيا بحرية المرأة وكرامتها وكراهية تخلفها . 
3-إن تعميم التعليم قد ادى إلي إيجاد مئات المدارس للبنات ، وهؤلاء بتعلمهن صرن يكتسيبن خارج المنزل ، وهذا التكسب ساعد كثيرا على استقلال المرأة . 
( سلامة موسى : مقالات ممنوعة ، صفحتي 109 ، 110 ) . 
 
ويذكر سلامة موسى أنه في تاريخنا العربي القديم ، عرفنا دعوة الفيلسوف ابن رشد الذي توفى عام 1198 للميلاد ، حيث قال " إن المرأة كفء أن تمارس أعمال الحرب وأعمال السلم معا ، وأنها قادرة على دراسة الفلسفة ، إن  المجتمع العربي لن يرقى إلا إذا كف الرجل عن استعمال المرأة  لمتعته وقصر نشاطها على البيت ( سلامة موسى : نفس المرجع السابق ، صفحتي 109 ، 110 ) . 
 
ولقد تعرض سلامة موسى بجراءة شديدة إلى قضية ختان المرأة في مصر "  حيث قال " وكل ما نجني  في  عصرنا من ختان الفتاة هو البرود الجنسي  فيها وقت الزواج ، فهي لا تتجاوب مع زوجها أثناء التعارف ، ومن هنا تفشى الحشيش وسائر المخدرات  . وعلى حكومتنا أن تأخذ برأي اللجنة التي أشرنا إليها في هيئة الأمم المتحدة  فتسن القانون اللازم لمنع الختان ، وتعاقب كل من يمارس هذه الحرفة ويرتكب هذه الجريمة  ..... إن ألوفا  بل ملايين من الزوجات قد استحالت حياتهن الزوجية إلي  تعاسة وعذاب بسبب ختانهن في الطفولة ، والراي السائد  بين العامة أن المرأة إذا لم تختتن ، فإن شهواتها عندئذ لا تفهر وأنها لا تشبع  ........ ولكن الحضارة هبتنا ، وأصبحنا نقول بالمسااة بين الجنسين ، كما نجد ذلك في الحقوق الدسنتورية والمدنية وسائر  الحقوق ، ومن العار أن تبقى عندنا هذه العادة القديمة التي تفسد علاقاتنا الزوجية وتتعس الزوجات وتحرمنهن حقا يستمتع به الرجال ( سلامة موسى : نفس المرجع السابق ، الصفحات من 111-113 ) . 
 
وحول الأسباب التي دعت سلامة موسى إلي الاهتمام بقضية المرأة ، يذكر سلامة موسى أن سفره إلي بلاد أوربا  في مطلع شبابه كان من أهم الأسباب . فحول تأثير المرأة الفرنسية كتب يقول " كانت المرأة الفرنسية ،أعظم ما حرك وجداني ، بل كذلك حرية المرأة في أوربا الغربية ، فأن هذه الحرية كانت لهبا يلسع ويجرحني في كرامتي الوطنية كلما ذكرت حال المرأة المصرية  ، وإلى هذه السنوات وإلي هذا الوجدان تعود ثورتي بعد ذلك على التقاليد المصرية التي لم أعد اطيق صبرا عليها . وكثيرا ما فقدت صداقات كنت أحرص عليها لموقفي من هذه التقاليد ،بل هناك من أصدقائي من يقول أني فقدت مكاسب ( تربية سلامة موسى : صفحة 56 ) . 
 
كما ذهب إلى انجلترا عام 1909 ، فيذكر أن المرأة الإنجليزية كانت أكثر تحررا من المرأة الفرنسية ، وحول أثر المرأة الإنجليزية على تكوينه كتب يقول " كانت الحركة النسوية على أشدها في لندن حوالي عام 1910 ، فكانت مظاهرات النساْ للمطالبة بحقوق  الانتخاب . وكانت بعض هذه المظاهرات عنيفا تشتبك فيه السيدات والفتيات مع رجال البوليس وكانت زعيمة هذه الحركة سيدة تدعى المشز بانكهرست ، وكانت جريئة مقدامة تتخير الكلمات الجارحة عندما تصف رجال الحكومة  الذين كانوا يعارضون هذه الحركة . وحضرت أحد هذه الاجتمعات وعجبت للحماسة بين الحاضرات المستمعات وهي حماسة تجلت عن جمع نحو خمسة آلاف جنيبه في بضع دقائق للإنفاق على هذه الحركة ( تربية سلامة موسى : صفحة 66 ) .