عادل نعمان
والجهاد على النحو الذى يراه السلفيون، وأنصار الدولة الدينية، حين يقتصر على دين وطائفة بذاتها وضد عدوه فقط دون غيره، جهاد طائفى عنصرى، يصل فيه الأمر إلى الاحتقان الداخلى، ومن ثم إلى شق الصف الوطنى وتقسيم الأمة، وغالبا يدفع البلاد إلى حروب أهلية داخل الدولة الإسلامية وغير الإسلامية. ولقد اتفق أهل السلفية جميعهم «على محاربة كل من بلغته الدعوة ولم يذعن لها حتى يكون الدين كله لله»، وكذلك «من حق المسلم محاربة الكفر والكافرين أينما وجدوا وحلوا حتى لو لم يبدأوه بقتال»، وعليه تكون الحرب مع الغير قائمة وشاملة فى كل وقت وحين وكل مكان داخل الأوطان والقريب قبل الغريب.

ولقد فطن من الأوائل أذكياء كثر، وتنبأوا بنتائج هذا الفهم الخاطئ للجهاد وتداعياته على الأمم والشعوب، حين استقرت على أن الآية «كتب عليكم القتال وهو كره لكم» وغيرها من آيات القتال والجهاد التى تليها، خاصة بصحابة النبى ولا تنسحب لغيرهم، وأن المقاتلين هم المشركون والمنافقون فى عهد النبوة فقط ولا تنسحب لغيرهم أيضا، وهو قول حق يقرره ويحدده الرسول فقط دون غيره، فلا يعقل أن يقرر الحرب ويحددها راغب فى سلطة أو مال!!، أو تقوم الحرب ولا تقعد، أو يظل المسلم رافعًا سيفه فى وجه الجميع لمجرد وجود الكفر والشرك، وهو فى مفهوم السلفيين قائم إلى نهاية الكون، وفى مفهوم غيرهم خلاف فى الرأى والمعتقد، لا يحق لأحد الخروج عليه أو التمييز بين الناس على هذا الخلاف.

والعرب فى جاهليتهم كانوا يغتنمون الغنائم، ويستبون النساء والرجال، ولقد أقر لهم الإسلام هذا «كما يدعون ويأصلون له» وجعل هذا من خصائص الدعوة لحديث «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، أرسلت للناس عامة، ونصرت بالرعب، وأحلت لى الغنائم، وجعلت الأرض لى مسجدا، والتراب طهورا» وأحاديث وتفاسير كثيرة جعلت الجهاد ذروة سنام الإسلام، إلا أن هذا الأمر برمته محل نظر واعتبار وتدقيق حتى لا يظل هذا المنهج متعارضا مع روح الدعوة ومنهج النبوة والقوانين الدولية.

ومفهوم الجهاد عند الأوائل قد اختلط إلى حد بعيد بأطماع دنيوية لم تكن خالصة لله أو الدين بقدر إخلاصهم للحكم والمنافع والغنائم، بل وضع هؤلاء على عاتق المسلمين الأوائل مهمة نشر الدعوة على منهج جاهلى وجد لديهم قبولا ورضا واستحسانا، وكانت مرغبات الجهاد حافزا ودافعا غلبت وتغلبت، وأصبحت محركا معتبرا للدعوة وحافزا قويا لها، فدخلوا البلاد عنوة وأخضعوها لمرادهم، وجمعوا الغنائم والإسلاب والأموال على أنها «فىء» عاد لأصحابه، وصوروا وزعموا لهم أنها مهمة رئيسية على عاتقهم وحدهم وواجب على كل مسلم، فحملوا على الغير العداء لهم ولعقائدهم، وقد كان مقبولا هذا المنهج فيما مضى منهم ومن غيرهم، إلا أن الأمر على هذا النحو مهما كان له من أسباب ومبررات لا يقبلها أحد، وأصبح للحروب مبررات وقواعد ووثائق.

والأمر الأهم أن موازين القوة والضعف قد تغيرت وتبدلت، والمعادلة برمتها تحكمها معطيات قد غابت تماما عن هؤلاء المجاهدين!! وانقلبت الموازين لغير صالحهم وأصبحت القوة والغلبة أكثر اتساعا من حدود الخيل والرمح والسيف، وتخطت البحار والأنهار إلى الفضاء الخارجى وتحت البحار والأرضى، ولو كان قد تحقق للأوائل الغلبة والغنائم وانتشار الإسلام، فإن هذه المتغيرات العالمية إذا أصر هؤلاء بفكر الجهاد على النحو السلفى فإننا نصبح «غنائم وأسلاب» لهؤلاء، ويكون ثمن هذا الجهاد غاليا ندفعه نحن والأجيال القادمة.

وليس الجهاد فى الدفاع عن الأوطان الآن منفصلا عن التأييد أو الاعتماد الدولى، فلا يقبل العالم اليوم جهادا تحت راية دين «أى دين» ولا يعتمده إلا دفاعا عن الأرض ضد محتل، وأحيانا يغض الطرف ولا يعتمده إذا تعارض مع مصالحه، فما بالكم إذا كان جهادا على النحو السلفى المرفوض عقلا ومنهجا وهو «جهاد الطلب»؟، فإنه يقلب الموازين الدولية، ويحشد ويحرض العالم ضده، بل ويصل للتآمر والاعتداء على حامل هذه الرايات وتكسير عظامه وحصاره وتجويعه، ثم القضاء عليه، ولا يرى هؤلاء حرجا فى هذا أو حائلا أو مانعا يحول أو يمنع، بل يجد مباركة ودعما دوليا تحت دعاوى محاربة الإرهاب والإرهابيين، واعترف بأن أحد أهم الأسباب فى تسويف القضية الفلسطينية هو «أسلمتها» ولو كانت تحت مظلة حق الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم السليب لكان لها شأن آخر وحاضنة أكثر عدلا.

لا جهاد يعترف به سوى «جهاد الدفع» ولا يقبل إلا إذا كان له حاضنة شعبية ودولية، ولو ظل هؤلاء يحملون رايات الكفر والكافرين ومحاربتهم تحت شعار «جهاد الطلب» فلا تلوموا سوى أنفسكم، واقرأوا المشهد جيدا وما وصلنا إليه وما نراه من خراب هنا وهناك تحت سمع وبصر الملائكة.

«الدولة المدنية هى الحل»
نقلا عن المصرى اليوم