ياسر أيوب
نادية كومانشى من هؤلاء الذين يظلون يحملون أوطانهم طول الوقت فى قلوبهم وحقائب سفرهم مهما اضطرتهم ظروف صعبة وقاسية للرحيل والغياب.. فقد فوجئ العالم فى ١٩٨٩ بهروب نادية من رومانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. فلم يكن يتخيل وقتها أحد حجم عذابها ومعاناتها وقسوة حياتها رغم نجاحاتها ومكانتها وشهرتها العالمية.

فمنذ أن فازت نادية بذهب الجمباز فى دورة مونتريال ١٩٧٦ وحققت العلامة الكاملة رغم أنها لا تزال فى الخامسة عشر من عمرها.. أصبحت مثار اهتمام واحترام العالم وتوالت حفلات تكريمها وكانت صورها فوق أغلفة أشهر وأهم مجلات الدنيا.. ولم تظهر الحقيقة إلا بعد سقوط نظام شاوشيسكو حيث تكشفت الأسرار وكثرت الحكايات والمذكرات والأفلام والكتب أشهرها كتاب للمؤرخ سيتاريل أولارو بعنوان نادية والسيكوريتات.

وسيكوريتات هى الشرطة السرية لنظام شاوشيسكو.. واستعرض الكتاب مئات من تقارير الشرطة السرية عن عذاب نادية وقيودها وامتهانها جسديا ونفسيا ومنعها من السفر رغم أنها كانت البطلة التى تفخر بها رومانيا وشاوشيسكو نفسه.. وهربت نادية وعاشت وتزوجت فى الولايات المتحدة من لاعب الجمباز الأمريكى بارت كونر وظلت نجمة كبيرة لم تفقد اهتمام واحترام العالم لها.

وفى افتتاح دورة باريس الحالية كانت نادية ممن تمت دعوتهم للمشاركة فى حمل الشعلة الأوليمبية وأن تحضر الدورة كضيفة شرف.. ومنذ أربعة أيام فازت لاعبة الجمباز الرومانية أنا باربوسو بالميدالية البرونزية لكن احتج الأمريكيون مؤكدين أن لاعبتهم جوردان تشايلز هى الأحق بالميدالية البرونزية وأن هناك خطأ فى التحكيم لابد من مراجعته وتصحيحه فورا.

وبالفعل تمت الاستجابة للطلب الأمريكى وتم إلغاء فوز الرومانية باربوسو ومنح ميداليتها للأمريكية تشايلز.. وكان من الممكن أن تلزم نادية كومانشى الصمت سواء احتراما للجنة المنظمة للدورة التى دعتها كضيفة شرف وقامت بتكريمها.. وأيضا للولايات المتحدة التى تعيش فيها مع زوجها الأمريكى.. لكن لم تسكت نادية وانتقدت الجميع صارخة ضد هذا الظلم.. فرغم التكريم الباريسى والحياة الأمريكية الجميلة تبقى رومانيا فى القلب.

ورغم أن صراخها لن يغير ما أراده الأمريكيون لكن شعرت نادية أن اللاعبة الرومانية الصغيرة تحتاج لمن يقف معها ويمسح دموعها.. وكانت هناك أغنية أوبرالية بعنوان الفتاة التى لا تتعب اشتهرت وقت أن فازت نادية بالذهب.. وبدأت الشاشات الأمريكية إذاعة الأغنية مع لقطات لحركات نادية.. واضطر صاحب الأغنية لتغيير اسمها ليصبح نادية التى لا تتعب.

وأصبحت جملة تقال بمعان مختلفة.. نادية التى لا تسكت.. نادية التى لا تخاف.. وبالفعل لم تخف نادية ولم تسكت.. فهى التى سبق أن عاشت الظلم والقهر وتحاول طول الوقت ألا تعيشهما أى لاعبة أخرى.
نقلا عن المصرى اليوم