د. رامي عطا صديق
بين الحين والآخر تصل لى رسائل من الصديق العزيز «مؤمن مصطفى»، وهو إعلامى شاب، مجتهد ونشيط بين المكفوفين، يتبنى قضاياهم ومشكلاتهم ويدافع عن حقوقهم ومتطلباتهم، خاصة أنه واحد منهم، لم تثنه الإعاقة البصرية عن دراسة الإعلام، ولم تقف إعاقته حائلًا أمام قدرته على العطاء والعمل والتفاعل مع الآخرين، ومن ذلك عمله فى مجلة (الشباب) التى تصدر شهريًا عن مؤسسة الأهرام، ومشاركته فى برنامج المسابقات التليفزيونى «العباقرة» الذى يقدمه الروائى والإعلامى عصام يوسف، نسخة «قادرون باختلاف».

من بين هذه الرسائل كانت رسالة مهمة عن حق المكفوفين فى القراءة، من خلال توفير الكتب والمطبوعات بطريقة «برايل»، التى تساعد المكفوفين على القراءة من خلال النقاط البارزة عن سطح الورقة، حيث تعبر كل نقطة عن حرف.

تقول الرسالة: «عايز أقول رسالة للناس اللى شايفة إن البرايل مش مهم. زى ما ابنك وبنتك بيتعلموا القراءة والكتابة وبتكون فى قمة سعادتك لما بيبتدى يقرأ ويكتب. فمن حق الطفل الكفيف وأسرته إنهم يعيشوا نفس الشعور. من حق الكفيف إنه يعيش متعة عالم القراءة. حضرتك بتقول إن البرايل مكلف وعبء مالى على الدولة، هقولك إن دى حاجة تستحق إن الدولة تصرف عليها.

حضرتك شايفة إن البرايل مش مهم، خلى رأيك لنفسك، لأن البرايل مش معمول لحضرتك. هو معمول لناس فعلًا محتاجاه. حضرتك كفيف وشايف إن البرايل مش مهم وإنت مش محتاجه. ابعد عنه خالص. فى غيرك محتاجه. نغمة إن البرايل مش مهم، واللى للأسف فى ناس بترددها وهى مش فاهمة عواقبها. نغمة رجعتنا كتير لورا. البرايل حياة للمكفوفين»، انتهت الرسالة مع هاشتاج يقول «#من_حقي_أقرأ».

نعم يا «مؤمن» من حقك أن تقرأ، ومن حق زميلاتك وزملائك أن يقرأوا، لأن القراءة حياة وتطوير للذات، تنعكس على شخصية الفرد مثلما تنعكس على حالة المجتمع، وهو مطلب عادل، لأن القراءة طريق أساسى للمعرفة والتعلم، وحسب مبدأ المواطنة وحقوق الإنسان فإن الأمر يُمثل شكلًا من أشكال العدالة الاجتماعية والاستقلالية والمساواة بين المواطنين بعضهم بعضًا، وحق المكفوفين فى التواصل المكتوب، على مستوى القراءة والكتابة، والوصول للمعلومات وتوصيلها فى مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، بالإضافة إلى دور مؤسسات المجتمع فى العمل على إدماجهم مع غيرهم من المُبصرين.

ويرجع الفضل فى اختراع طريقة «برايل» إلى الفرنسى «لويس برايل» الذى عاش بين سنوات ١٨٠٩م و١٨٥٢م، وقد فقد إحدى عينيه فى عُمر الثالثة، نتيجة حادث تعرض له أثناء لهوه، ثم فقد البصر تمامًا فى عُمر الخامسة، لكنه لم ييأس واهتمت أسرته بتعليمه، حيث التحق بمعهد للمكفوفين، ثم صار مدرسًا، وتوصل إلى طريقته بعدما استفاد من ضابط فرنسى، كان قد اخترع طريقة تواصل بين الجنود دون أن يتكلموا كشفرة عسكرية، ومع الوقت صارت طريقة «برايل» طاقة نور ومفتاح حياة للمكفوفين، حتى إن كثيرين يصفون «لويس برايل» بأنه الأعمى الذى أضاء العالم للمكفوفين.

فى تقديرى أن مطلب القراءة بطريقة «برايل» بمثابة حياة للمكفوفين، ومن خلالها يمكننا أن نرى نجباء ونجيبات فى مختلف المهن والحرف والمجالات، وأذكر أنه فى ١٥ إبريل ٢٠٠٥م أصدرت جريدة (وطنى) الأسبوعية عددًا شهريًا مجانيًا بطريقة «برايل»، بتشجيع من رئيس مجلس الإدارة والتحرير المهندس يوسف سيدهم، وكان هذا الإصدار الصحفى تجربة فريدة ومتميزة، خاصة أنه أول تجربة مصرية.

وإن سبقتها تجارب أجنبية وعربية، إذ آمنت الزميلة «شريفة مسعود» مديرة تحرير (وطنى برايل) بحق زميلاتها وزملائها من المكفوفين فى الاطلاع وقراءة الصحف، لكن التجربة لم تستمر كثيرًا ربما لضعف الإمكانيات، وفى يوم الخميس ٣٠ مارس ٢٠١٧م صدر العدد الأول من (مجلة الأخبار) الشهرية بطريقة «برايل» عن دار أخبار اليوم، وكان وقتها رئيس مجلس الإدارة الكاتب الصحفى الراحل الأستاذ ياسر رزق، وترأس التحرير الأستاذ أحمد المراغى، ويقوم بتحريرها مجموعة من الصحفيين متحدى الإعاقة البصرية، كما تم تدشين أول مطبعة صحفية للصحف والكتب بطريقة «برايل».

والسؤال الآن: هل تستجيب مؤسساتنا الدينية والتربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والتشريعية، ومؤسسات المجتمع المدنى وغيرها، لمطلب مؤمن وزملائه من حيث توفير الكتب ومختلف المطبوعات بطريقة «برايل»، من منطلق الإيمان بحقهم فى القراءة بالطريقة التى يرونها مناسبة وملائمة؟!.
نقلا عن المصرى اليوم