بقلم: أندرو اشعياء
وبعدما لاحت له أبواب دمشق من بعيد ورأى أمامه المدينة اللؤلؤية بطوقها المألوف من شجر التفاح والنخيل تحت أشعة الظهيرة، وجد نفسه طريحًا على الأرض «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» هنا انهارت مقاومته تمامًا أمام نظرات عميقه وصوتًا ربما كان كنشيد الجمعة الحزينة مصحوب بنبرة جاده. هنا، ومنذ قليل، وعلى بُعد أمتار قليلة لم يسطع جموح شدة كبرياء مشاعره وحنقها ضد «أتباع الطريق» ولكن الآن! في لحظة تستولي عليه المعرفة الإلهية حتى تحرر انسانه الداخلي مِن ذاته المُرّة المريرة، صارخًا: «لقد ضاعت قضيتي .. كان استفانوس على حق! »

«مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» هنا صرخ! فهل رأى وجه المسبح النير كملك في مجد ابيه أما كشخص تملأ الجروح رأسه وتقطر الدماء مِن هذه الجراحات، ومنها ترشح ايضًا قطرات دماء الشهداء الذين اضطهدهم بقسوة .. هنا أدرك جيدًا «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا. » (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس12: 27)

في هذا الوقت انطلق نور نحو أعماقه حتى صيره نبع، وغمر كالنهر «لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ»، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ». (الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس4: 6) كانت لحظة بزوغ قوة الطاعة للمسيح «وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ» (الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس10: 5) إنها لحظة صار فيها اسيرًا بحب حتى طفق ينشد في بداية كل رسالة «بُولُسُ، أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رسالة ق.بولس الى فليمون1: 1) وراح يعلل «بِسَبَبِ هذَا أَنَا بُولُسُ، أَسِيرُ الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الأُمَمُ». (الرسالة الى أفسس3: 1)..

إن ظهور المخلص له لا كديّان ومنتقم، بل كرحمة محرّرة هو الذي جعله يؤمن أن الصليب محبة وفداءًا «لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ¬ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (رسالة ق.بولس الى تيطس3: 5).. هذه القدرة على الانتقام في نظره كانت تستطيع أن تسحقه ولكنه رُحِمَ «أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ.» (رسالة ق.بولس الأولى الى تيموثاوس1: 13)..

في هذا اللقاء أدرك معنى الصليب والقيامة وتحوّل الصليب عنده رمزًا للخلاص، والشك تحوّل إلى قوة الله وحسب كل شئ نفايه «بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ» (رسالة ق. بولس لأهل فيلبي3: 8)

ما حدث للقديس بولس ما هو إلا موت سري وسط ليل سري! أنه موت ملئ بالأسرار كامتلاء الحياة النّامية في الأحشاء.. لم يكن سؤاله «مَن أنت يا سيد؟» مجرد استفسار إنما جالت حياته تطوف خاضعه سائله مُكتشفه «مَن أنت يا سيد؟» حقًا كان عمل النعمة في حياته إنما يلطمه ويشفيه، يُميته ويُحييه..