حنان فكرى

الخيانة لا تلتقي مع الحب في خندق واحد، الخيانة قضية إنسانية معقدة وحساسة، تتلامس مع الضعف الإنساني، فتوقفها المنظومة القيمية للشخص، أو يغذيها غياب هذه المنطومة، وبالرغم من أن الخيانة لا تقتصر على الرجال، إلا أن التساؤل المطروح دائمًا هو لماذا يخون الرجال؟ سؤال طرحه مسلسل مفترق طرق، الذ تم عرضه على منصة شاهد في 45 حلقة، ومستوحى من قصة لمسلسل أجنبي «الزوجة الصالحة»، أجاب المؤلف شريف بدرعن السؤال، على لسان البطل عمر المنسي – ماجد المصري- في مشهد السقوط، مع هنا- نهى عابدين- ابنة خالة زوجته، لماذا يخون الرجال؟ في رأي المؤلف: «يخون الرجل لأنه يبحث دائما عما ينقصه، فعند الارتباط يبحث الرجل عن المرأة الكاملة المهذبة المطيعة، بعد فترة يكتشف أن هناك ما ينقصه، فيبدأ في البحث عن النواقص في أخرى لتكملها ولا يجدها، فيبحث عنها في امرأة ثالثة ثم رابعة، وهكذا فالرجل يريد كل شىء ولا يكتفي».

 

تلك هي رؤية مؤلف العمل الدرامي والتي يطرح فيها فكرة الخيانة الممنهجة المستمرة، التي لا يقلع عنها ولا يندم عليها الزوج، بل يحاول جاهدًا إخفاء أدلتها عن الزوجة المغدور بها، فقط لأنه يحرص على الاحتفاظ بها كملكية خاصة، في افتقار لكل صور الاتحاد والالتصاق الإنساني بشريك الحياة، وبعيدا عن تقييم العمل الدرامي من الناحية الفنية، وبعيدًا عن قوة أو ضعف الحبكة الدرامية للمسلسل، وبعيدًا عن أداء أبطاله، وبالرغم من أن عناصر الصراع غابت عن الحبكة الدرامية في كل من شخصية الزوج الخائن وشخصية الزوجة الضحية، إلا أن العمل أثار جدلية الغفران والخيانة في مجتمعنا، وكلفة الغفران المجاني الذي بلا ضمانات لشراكة زواجية حقيقية.

 

فالغفران المجاني يهدم طاقة الزوجة على التضحية، ويدفعها للانفجار العلني باعتباره أمرًا حتمي الحدوث آجلا أو عاجلا ما دامت الخيانة قائمة، وهو ما عبر عنه مخرج العمل، حينما قرر أن يكون مشهد النهاية في المسلسل بصفعة قوية من الزوجة على وجه الخائن. صفعة تفريغ الغضب المكتوم، التي تعلن أنه لا غفران أبدي.

 

الخيانة مؤلمة، محرقة، تضع المرأة في معصرة الوجع مدى الحياة، ويقهرها الصمت والتغصب على العيش مع الخائن، بقلب مفطور وثقة مهدومة، لأنها تظن في نفسها أنها لم تعد تكفي زوجها، تظن أنها قد لا تستحق الحب، تظن أنها مقصرة، تظن أنها أقل أنوثة وجمالا، تظن أنها قاسية أو مملة أو كئيبة، ولا تفتش في جذور خيانته ولا جذور تضحيتها التي يعود جزء منها للأسرة وجزء للمجتمع، فالبعض لم يتعلم تأجيل الإشباع، والبعض أو ربما الأغلبية لم تتعود لغة «اللاءات» للإغواء، والتصنيف في مجتمعنا حاضر الحكم، الغريزة ذكر والغواية أنثى، بالرغم من أن كليهما طرفًا في الخيانة، ويتناسى البعض أرض المنشأ «الأسرة».

 

فالأسرة هي المكان الذي تعلمنا فيه العلاقات، هي المكان الذي تعلمنا فيه استقبال الحب والرعاية ومنحهما، النشأة تعطينا البصيرة في العلاقات، أو تسحبنا للوقوع في فخ الهروب من أزماتنا الداخلية بالخيانة الزوجية، فعندما تنشأ الفتاة بين أبوين دائمي الشجار، الأب لا يقترب من الأم إلا للجنس، تشب على أن المرأة وعاء للجنس فقط وأن الزواج سلسلة من المشاجرات اليومية، لا يمكن الفرار منها إلا باللجوء لآخر يعيد التوازن المفقود أيا كان هذا الآخر، فتتجذر فيها الطريقة التي تهرب بها من واقعها المأزوم، بنفس الآلية عندما يشب الفتى فيجد أباه يخون أمه، وأمه تغفر، فيتصور أن هذا هو الطبيعي ويشب على أن كل الرجال خائنون، مثلما حاول مؤلف عمل «مفترق طرق» توصيل هذه الرسالة بشكل مُبطن خلال الحلقات سواء في شخوص الأبطال الأساسيين أو قضايا الأبطال الثانويين التي ظهرت عبر قصص فرعية في القضايا القانونية التي تولاها الأبطال بصفتهم محامين في المسلسل.

 

للأسف كل الخبرات الصادمة التي يتعرض لها الأبناء في أسرهم ليس من السهل اقتلاعها لكنها تحتاج الوعي والتفكيك لإحلال وتركيب خبرات وأفكار صحيحة مكانها. هذا الاقتلاع، وذلك التفكيك ينتجان صراعًا قاسيًا تتحمل الزوجة وحدها عبئه حينما تلتحف بالغفران المجاني في مواجهة الخيانة الممنهجة، وهو ما لا يمكن استمراره لآخر العمر، يطرح ذلك الصراع على مجتمعنا تساؤلات حول الثقة، الالتزام، والخيارات الأخلاقية، بين تضحية بعض الزوجات وأنانية بعض الرجال، ويكشف عن الفارق بين الضعف كتجربة غنية يمكن المرور بها وتستحق الغفران، وبين السقوط العمدي المتكرر الذي يمثل إيذاء مستمرا يستوجب البتر.

 

إن ثقافة التضحية والقيمة الروحية للغفران مفهومان بهما لبس لدى البعض، فالغفران قرار بعدم الانتقام، شريطة توقف الإساءة والإيذاء، والخائن الذي يكرر نفسه لا يؤتمن وإن جاء راكعا معتذرا، والتضحية التي تظن الزوجة أنها تحمل الخير لأبنائها، قد تحمل في باطنها شرا لهم لأنها تورثهم عن غير قصد ذلك النموذج السلبي من جدلية الخيانة في مواجهة الغفران.

 

صفعة بطلة المسلسل هند صبري- أميرة- لعمر المنسي- ماجد المصري، في آخر مشهد كانت بمثابة جواز مرور للغضب المكتوم في قلب كل زوجة اكتشفت خيانة زوجها، وتتمنى القصاص منه، فامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالثناء على المشهد، وهو ما يعكس رفضا ضمنيًا لمتلازمة الصفح والخيانة الزوجية التي تحيا فيها النساء في مجتمعنا.

 

رفض من كل زوجة غفرت ثم خان، وغفرت ثم خان وغفرت فعاد وخان، حتى صارت الخيانة أيسر من الإخلاص، وأسهل من الوفاء، وفي تكرارها لذة الحرام المفقودة في فراش العلاقة المقدسة فعاد وخان وغفرت له ثم خان فتيقن الخائن أن الغفران ما هو إلا وسيلة للتغطية على قلة حيلة الزوجة التي تقرر منحه فرصة جديدة، فعاد وخان.

 

ومع كل فرصة جديدة يسقط أمل جديد، وتعود لتغفر فتقهرها الخيانة. تضحي فتقهرها الأنانية، تمنح الصلاح فيشق قلبها الفساد ويمزق الخداع شرايينه. والفعل لشريك الحياة، وكما قال جوزيف بروديسكي «وَحدَه الرماد يَعرف ماذا يعني الاحتراق حتى النهاية». أقصد أنه لا أحد يعلم بمدى احتراق الزوجة إلا بعد وصولها لمرحلة الرماد واللانفع، لذلك حتى وإن صحت تلك الظنون، فإنها لا تستحق الرد بالخيانة، لأن الخيانة الممنهجة تعني أن الزوجة ممتلكات خاصة ليست شخصاً محبوباً وكياناً للاتحاد الإنساني.

 

لذلك فإن صفعة أميرة على وجه عمر المنسي في مسلسل مفترق الطرق لم تكن مشهداً درامياً فقط ولا أطاحت بنظارة ماجد المصري فقط، لكنها كانت جواز مرور لعبور الغضب المكتوم داخل قلب كل زوجة مغدور بها، الخيانة دمرتها ودمرت ثقتها بذاتها، ودمرت أبناءها، وأطاحت بفكرة الفرص المتكررة التي يسميها البعض غفرانا أما حقيقتها قلة حيلة.

 

 

إلى كل رجل.. المرأة ليست إلها حتى تغفر غفراناً مجانياً، حتى الله يغفر للخطاة التائبين وليس للمصممين على الغرق في بئر الخطية والخيانة. فإذا كنت لا تستطيع الإمساك بلجام غريزتك، ومغلوب من شهوتك إلى الحد الذي تهدم معه أسرتك، فعليك بالتنقيب داخل نفسك والتفتيش في نشأتك هناك ستجد مفتاح الصراع.