كتب - محرر الاقباط متحدون
أشاد المفكر والطبيب خالد منتصر بالفيلم الهندي حياة الماعز The Goat Life، والذي اغضب السعودية.
وكتب منتصر عبر حسابه على فيسبوك :" حياة الماعز ، الغربة في صحراء موحشة ليست لها نهاية ،تسحقك وتدهس انسانيتك، وتسمح للضباع أن ينهش فيك دون أن تقدر حتى على الهمس احتجاجاً!!! أن تعيش حياة الماعز وأنت انسان، تشرب ماءهم،وتأكل معهم أكلهم، وتقضي حاجتك مثلهم، وفي النهاية تنسى لغتك وتصدر أصواتاً وثغاء مثلهم!!
قمة القهر والانسحاق، وأنت تشاهد هذا الفيلم الهندي البديع المنسوج بمهارة وعذوبة وجمال مثل قطعة السجاد الفارسي،ستحس أن الأوكسيجين يتناقص في الغرفة، ستختنق ببطء من كم القهر ولا جدوى المقاومة وانسداد سبل الهروب أمام البطل المهاجر من ولاية كيرالا جنوب غرب الهند ولا يتحدث الا اللغة المالايالامية،الهندي نجيب الذي باع كل مالديه لكي يسافر الى السعودية ليتخلص من الفقر ويحقق أحلامه ويبني بيتاً يضم زوجته وابنه القادم نبيل.
يسافر هو وحكيم صديقه الأصغر منه،في انتظار الكفيل الذي لا يجئ، يتأخر وهما في حيرة، حتى يامح حيرتهما رجل مسن ، يأخذ الباسبورتات منهما ويدعي أنه الكفيل، ويرميهما في خلفية السيارة كالخراف، يلقي بحكيم عند صديقه، يبكي حكيم، جئنا لنعمل في شركة لا في صحراء، ولا من مجيب ، الكفيل المزيف يعتبر عدم معرفتهما بالعربية جهل وغباء!!.
يأخذ الكفيل نجيب الى حيث يرعى غنمه وجماله، في صحراء قاحلة ، وصهد حارق، يبكي نجيب متوسلاً له ، لكنه يعامله بكل قسوة، يضربه بعنف، يجرحه في جبهته، ويكسر ساقه، ولا يسمح له باستخدام المياه في تنظيف نفسه لأنها تكلفه، كان هناك هندي عجوز هو الوحيد في هذا المكان الموحش الذي يفهم لغة نجيب بصعوبة وكانت مهمته تعليم نجيب الرعي وحلب اللبن ، هذا الرجل فجأة وجده نجيب جثة تنهشها النسور ، عندما قاومهم نجيب نهشوه حتى نزف، فهرب بجلده وهو يشاهد صديقه العجوز وأنيسه الوحيد ، والنسور تسمل عينيه وتنهش أمعاءه.
أثناء الرعي وبعد أن طالت أظافره حتى صارت مخالباً، وطالت لحيته التي كان يحلقها بشظايا مرآة مكسورة من سيارة قديمة كانت تحمل للمكان المياه والمؤن، وبعد محاولات هروب فاشلة ذاق بسببها عذاب الاهانة والضرب.
يقابل بعد ثلاث سنوات حكيم الذي يحكي له أن هناك افريقياً يدعى ابراهيم سيدلهم على طريق الهروب، ميعاد الهروب أثناء ذهاب كل كفيل لحضور حفل زفاف، وبالفعل بدأت رحلة الهروب التي أصر نجيب أن يأخذ فيها حقيبته المهترئة التي فيها بقايا من رائحة حبيبته وبرطمان المانجو المخلل الذي أهدته اياه.
تبدأ رحلة الهروب التي هي من أمتع رحلات الهروب في عالم السينما، الصحراء فيها هي البطل، حشرات تزحف وتترنح في هذا التيه الواسع، التفاصيل في هذه الرحلة مليئة بالاثارة والترقب وكتم الأنفاس، لكن أهم مافيها هو موت حكيم من الانهاك والعطش، واختفاء الافريقي في نهاية الرحلة بعد أن ترك المياه لنجيب في زجاجة كان يحاول أن يعزف عليها ! هذا الافريقي كان محور رحلة الهروب، تحسه أحياناً نبياً، وأحياناً أخرى قديساً وطبيباً يداوي الجروح، وبطلاً أسطورياً لا تهزمه صحراء، يوصل نجيب الى نبع مياه وخضرة، ثم يختفي بعد أن اطمئن أن الطريق الأسفلت قد صار قريباً.
يصل نجيب للطريق، بعد مجهود ، توصله سيارة يتعاطف صاحبها معه إلى المدينة، يستقبله الهنود المهاجرين ويداوونه من الحمى، ويبدأ البحث عن الأهل، ولأنه بدون اقامة وبدون جواز سفر ، يحبس ثلاثة أشهر مع الهنود الهاربين من الكفيل، تعرضهم السلطات في طابور أمام كل كفيل بلغ عن هروب، وفي مشهد يحبس الأنفاس يدخل الكفيل المزيف ويستعرض الطابور ويقف أمام نجيب وبنظرة ناريه يخبره بأنه لو كان الكفيل لكان قد أذاقه ويل العذاب، ثم يتركه.
ينتهي الفيلم ببعض الهنود الدين يتم ترحيلهم من السعودية ، ينظر نجيب الى السماء ، لن يعود بأموال ولا أجهزة كهربائية ، لكنه سيعود الى حبيبته بأيامه المتبقية، فيلم تبكي فيه بحرقة، وتغضب بشجن، وتكره القهر وسحق الانسانية والعبودية، فيلم يستحق أن يجهز في ١٦ سنة عن رواية حقيقية، منسوج بحرفية سينمائية عالية ،سحرتني الموسيقى التصويرية جداً أداء بطل الفيلم وأيضاً البلوشي الممثل العماني الذي أدى دور الكفيل التصوير خاصة للصحراء بديع في نقل احساس المتاهة فيلم عابر للزمن.