حمدى رزق

هرمنا حتى نرى هذه التوصية الرئاسية المعتبرة بتفكيك ملف الحبس الاحتياطى المذموم. الرئيس السيسى مشكورًا أحال توصيات الحوار الوطنى بشأن الحبس الاحتياطى للحكومة، مع توصية واجبة النفاذ باتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل التوصيات المتوافق عليها.

وعليه، مستوجب على الحكومة الأخذ بناصية الأمر، وعاجلًا، وعبر آلياتها القانونية تشرعن التوصيات، وتدفع بها إلى مجلس النواب فى مفتتح انعقاده، لإنفاذها ووضعها موضع التنفيذ الأمين.. يواكبه الإفراج عمَّن هُم رهْن الحبس الاحتياطى لسنوات، وتعويضهم عما فات.

 

مطلوب وطنيًا، وبتكليف رئاسى، مقترح قانونى (مشروع قانون معتبر) إلى مجلس النواب، يهدف إلى تجويد مواد الحبس الاحتياطى التى تحدد مسبباته ومدده، ما يضمن حقوق المحبوسين احتياطيًا، وبشكل يضمن التنفيذ الأمثل للإجراء الاحترازى، ما ينتفى معه الشكايات التى تعمل عليها بعض المنظمات الحقوقية لإشانة سمعة الملف الحقوقى المصرى عالميًا.

 

التجويد القانونى الحاكم للحبس الاحتياطى بمثابة تطبيق نموذجى للاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان التى تم إطلاقها بإرادة وطنية خالصة النوايا، فرصة سنحت لتجليس منظومة قانونية يؤطرها الدستور المصرى، وتطبيقًا لمواده الحادبة على الحريات.

 

خلاصة القول مصر تستحق أفضل من هذا القانون.

فالأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائى بغيضًا أو عاتيًا، أو كان متصلًا بأفعال لا يسوغ تجريمها، و مجافيًا بصورة ظاهرة للحدود التى يكون معها متناسبًا مع خطورة الأفعال التى أثّمها المشرع.. فإنه يفقد مبررات وجوده، ويصبح تقييده للحرية الشخصية اعتسافًا.

 

فرض الحبس الاحتياطى لأسباب احترازية، أخطرها الإرهاب ومخلفاته التى زرعت فى الأرض الطيبة كألغام مفخخة، وزال خطر الإرهاب بتضحيات جسام، زال السبب المسبب، وعليه وجب رفع ما ترتب عليه من احترازات لا محل لها من الإعراب قانونيًا.

 

الرئيس تعمق فى مراجعات هذا الملف، وتمعن فى التوصيات، لذا كان محددًا فى توجيهه الحكومة إلى أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطى، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطى كإجراء وقائى تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة، مع تفعيل تطبيقات بدائل الحبس الاحتياطى المختلفة، وأهمية التعويض المادى والأدبى وجبر الضرر لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ.

 

هذا ما يسمونه المبادئ الرئاسية الحاكمة التى يستوجب مراعاتها عند صياغة القانون الجديد، تخفيض الحدود القصوى (مدد الحبس) ليست مطلقة، ولكنها مسقوفة بمدد قانونية صارمة واجبة التنفيذ، مع مراعاة مناسبة مدة الحبس الاحتياطى مع طبيعة الجرم.

 

والأهم اقتراح البدائل، وهذا واجب القانونيين المحترمين، الحبس الاحتياطى ليس هدفًا، وليس عقوبة، فحسب إجراء احترازى مستوجب عدم الإفراط فى مدده.. الحبس الاحتياطى المفرط من مخلفات مرحلة الإرهاب، والدولة المصرية برأت من الإرهاب بفضل تكاتف الشعب مع الجيش والشرطة، زال خطر الإرهاب، وشبحه لا يخيفنا، نتحسب منه احترازيًا، ليس بإفراط على حساب الحريات.

 

 

الرئيس، وفق قاعدة جبر الضرر، يوصى الحكومة بالتعويض المادى والأدبى لمن يتعرض لحبس احتياطى خاطئ، وهذا من قبيل جبر الخواطر.. وهذه لفتة رئاسية معتبرة تستحق الشكر، والشكر موصول للرئيس وهو يقول: «استجابتى لتوصيات الحوار الوطنى نابعة من الرغبة الصادقة فى تنفيذ أحكام الدستور المصرى والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».

نقلا عن المصرى اليوم