عادل نعمان

لا حرية شخصية أو سياسية، ولا حرية عقيدة أو اعتقاد، ولا حرية فكر أو إبداع عند رجال الأديان جميعهم، الحرية مغلقة ومقيدة ومغلولة فى كل الأديان بفعل فاعل، وتضليل وادعاء القائمين عليه، وزعمهم أن هذا من عند الله ومشيئته، وليس الأمر كذلك، فما عند الله خير وأبقى، والحرية فيها كل الخير والنعيم كما نراها أمام أعيننا.

 

الدولة الدينية تحصر وتحبس وتقيد الحقيقة المطلقة عن الأديان الأخرى، فلا دين عند الله سوى دين القوة والغلبة، ولن يقبل من الناس غيره، ولا عقيدة تقترب إلى مستواه، أو ترتقى إلى عليائه، ولا قبلتان فى أرض واحدة، وتصطفى من عباد الله عبادهم وأولياؤهم وتراثهم وتحتقر كل ما كان غيرهم، وإذا دخله إنسان بإرادته أو بالقوة وهم بالخروج أو الارتداد عنه، خرج منه محمولًا على الأعناق إلى مقابر الكافرين.

 

والديمقراطية حرام وشرك وإثم كبير، والأمر فى يد أهل الحل والعقد، وليس فى يد الشعب، فقد كان فى سقيفة بن ساعدة صراع بين ثلة من المهاجرين القرشيين، وجماعة من أنصار المدينة المنورة، وأحفاد بنى هاشم، حتى تم اختبار أبى بكر القرشى التميمى، وكان الأمر من بعده فى وصيته وهو على فراش الموت لابن الخطاب القرشى العدوى، وكانت بعد مقتل عمر فى ستة من الصحابة القرشيين، فسعى إليها عثمان القرشى الأموى، وكانت بعد مقتل عثمان تنصيب فى محنة الفتنة الصغرى، واختيار ضرورة متأخرة، وتزكية لابن أبى طالب القرشى الهاشمى، وخرج عليه من ولوه وبايعوه وقاتلوه وقتلوه، ثم كانت فى عهد بنى أمية ملك عضوض تحت سنابك الخيول وحد السيوف، وطال بيت النبوة الهلاك والدم والسم بمباركة البعض من بعض المشايخ البررة، وكانت فى عهد العباسيين غلبة وقوة وقهر وتآمر مع أهل الفرس والموالى، إنه باختصار واختزال كانت لأهل الحل والمصلحة والمنافع والمغانم، وكان لكل خليفة سند وبيعة، فمن جاء منهم بالغلبة، ومن جاء منهم بسيف الحياء، ومن جاء منهم بحز السيف، ومن جاء بالقهر والتآمر، جميعهم جاءونا جميعًا بالفتوى وولوا.

والرعية يا ولداه مغلوبة على أمرها تسير بلا هدى أو دليل، والشورى ليست من الديمقراطية فى شىء، وليست شكلًا من أشكالها، بل وليدة بيئة حاضنة للمنافع والمصالح، وكانت ملائمة فى حينها، فكانت فى وقت الجاهلية شورى بين ملأ قريش والسادة والأشراف فى ظل غياب العوام، ثم شورى الحزب الهاشمى، ثم الأموى، ثم العباسى فى ظل غياب عموم المسلمين، والشورى ليس لها معارضون، وإن عارضهم معارض أو ناقد أو مجدد فهو مجنون أو كافر أو زنديق، فمن يقف فى طريق هذه الأحزاب، فهو إما من الخوارج أو المرتدين أو خارج على الإمام، وجب قتاله وقتله، والنيل منه، وعليه ما على الأعداء من أسر وسبى وبيع.

 

والدولة الدينية أهلها «كما يزعمون» اصطفائيون ربانيون متسلطون استعلائيون نرجسيون على غيرهم، والمذاهب الأربعة متفقة على أن الكافر من كان على غير ملة الإسلام، ومنهم من أمر بازدرائهم واحتقارهم وإذلالهم وبغضهم وكرههم وعدم موالاتهم، وهم أيضا منقسمون انفصاليون متقاتلون فيما بينهم، الشيعة يكفرون أهل السنة والجماعة، والكفر نصيبهم عند أهل السنة والجماعة أيضًا، ويتسابق كل فريق منهما فى نيل الشهادة إذا فجر نفسه فى مسجد للآخر وقتل كل من كان على صلاة، والفرق تكفر بعضها البعض وتعتبرها من الفرق الهالكة، ولا يعتبرون أن أحدًا قد فاز بنعمة الإسلام سواهم، وغيرهم من المليار مسلم «جهمية» أو «قبوريون» ضالون عصاة ومشركون وجب قتلهم، والخوارج يكفرون عموم المسلمين والعموم يكفرونهم، وأهل السنة والجماعة والأشاعرة يكفرون المعتزلة، والمعتزلة يكفرونهم، والتكفير عند هؤلاء لا يقف عند الأبواب، بل يتعداها إلى حكم قتل الكافر، واستحلال ماله ونفسه وولده، هذه دولتهم الدينية، وهذا هو النموذج الأمثل والمرتقب عند الكثيرين منهم، منهم من يسعى إليها هرولة، ومنهم من يتحسس طريقه خجلًا.

 

ليس لنا تجربة واحدة ناجحة فى دولة دينية قديمًا أو حديثًا، وليس لنا تجربة واحدة فاشلة فى دولة مدنية قديمًا أو حديثًا، مما يجعل اختيارنا للدولة المدنية أمرًا حتميًا، وضرورة حياة لنا ولأولادنا، أما مصير الدولة الدينية فإلى زوال، هذا حكم التاريخ والشعوب الواعية المستنيرة..

 

 

«الدولة المدنية هى الحل».

نقلا عن المصرى اليوم